علي حسينعندما يقول رئيس وزراء العراق البلد المتعدد الأطياف والثقافات إن حزبه استطاع أن يدحر الماركسيين والعلمانيين و الحداثويين وان ينتصر عليهم ، فانه بالتأكيد يحتاج الى مستشارين ثقات وذوي خبرة ودراية يرافقونه باستمرار كي يشيروا عليه بما يقال وبما لا يقال ، والأهم كيف يمكن ان تقال الاشياء.
عندما يقول الرجل الاول في السلطة التنفيذية عن المختلفين معه بالرأي بانهم "كفار وملحدين" فاغلب الظن انه يتصور نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب من الضلالة والجاهلية ، عندما يعتقد رئيس الوزراء ان بناء الدولة لايتم الا في التخلص من العلمانيين والماركسيين ، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف فعلينا جميعا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد ، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما غدا يحوله الى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي ، افهم ان يتحدث المالكي باعتباره امينا عاما لحزب اسلامي قدم أعضاؤه تضحيات كبيرة في سبيل التخلص من دكتاتورية صدام ، ولكن الذي لا افهمه ان يتصور انه وحده الذي ضحى ووحده الذي انتصر في معركة التخلص من الطغيان .. فالمالكي فاته ان معركة العراقيين كانت مع الاستبداد وحكم الرجل الواحد ولم تكن معركة ضد الفكر العلماني او الماركسي . يخطئ سياسيونا حين يصورون الخلاف السياسي في البلاد على طريقة "فيلم الرسالة" معركة بين معسكر المسلمين ومعسكر الكفار ، محاولين ايهام البسطاء من الناس انهم انما يدافعون عن الاسلام وقيمه بوجه فئة باغية تريد النيل من الدين ، متناسين ان المعركة اليوم في العراق بين قوى تتخذ من الدين الاسلامي الحنيف غطاء لإعلاء قيم الانتهازية السياسية واحتكار القرار ، وسرقة المال العام والرشوة والمحسوبية وقتل النفس البريئة ، وهي قيم يرفضها الاسلام جملة وتفصيلا لانه دين يبشر بالعدالة والسماحة والخير والمساواة ، فلم نقرأ أن النبي " ص" خرج على معارضيه بالرأي و طالب بقتلهم او تشريدهم ولعل موقفه تجاه عبداللّه بن أُبي الذي كاد للمسلمين وسعى لتفرقة شملهم، وحين طالب عمر بن الخطاب بقتله، رفض الرسول وقال: "بل نحسن صحبته".، وأتمنى على السيد المالكي ان يقرأ جيدا الحديث النبوي "أنتم أعرف بأمور دنياكم" وان يتمعن جيدا في جواب الإمام علي بن أبي طالب للخوارج، عندما رفعوا شعار: "لا حكم إلا لله"، فقال لهم : كلمة حق أُريد بها باطل، إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسمه، ولا الفيء ما دمتم معنا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤوننا " وأتمنى عليه ان يتذكر ان هناك اكثر من آية قرآنية تشجع حرية الفكر " لا إكراه في الدين " لست عليهم بمسيطر " " لكم دينكم ولي دين " اما المقولات الجديدة في تكفير الناس واعتبارهم مرتدين عن الاسلام فهي افكار شجعتها قوى الاسلام السياسي مستندة على فتاوى بن تيمية وسيد قطب اللذين سعيا الى نشر افكارهما من خلال ارهاب الناس. حديث المالكي عن دحر العلمانية والماركسية ، يعني مباشرة أن الذين يقولون لا لحكم الحزب الواحد والرجل الواحد متهمون بالوقوف ضد الدين، وهو حديث يفضح ما يخفيه رئيس الوزراء حتى وهو يتحدث عن التنوع الاجتماعي والسياسي والشراكة الوطنية ودولة القانون.أحد أشهر شعارات السيد المالكي في جولته الانتخابية الثانية هي دعوته الى التعايش بين مكونات المجتمع العراقي كافة ، وكانت الناس تتمنى ان يترجم هذا الشعار عمليا عبر حكومة مؤسسات تحارب الفساد ، والمال الحرام والطائفية ، غير ان السنين والايام الماضية اثبتت ان المالكي ومقربيه اختطفوا مفهوم دولة القانون بعيدا عن جوهره الحقيقي ، محاولين تسويقه على انه معركة للفضيلة والايمان أو وفقا لحالة الانتشاء التي ظهر عليها السيد المالكي وهو يخطب في النجف معلنا ان المعركة انتهت لصالحه ، ودحر كفار قريش، وان العراق لم يعد مكانا لأقوام الجاهلية ، وعليهم من الآن ان يبحثوا عن تأشيرة هجرة لبلدان تشجع على الحداثوية والعلمانية .. ولكن للأسف فات السيد المالكي وهو في نشوة انتصاره ان حصوله على المنصب انما جاء بسبب غزوة قام بها العلمانيون الكفرة من الأمريكان الذين لا يزالون يحكموننا من وراء الستار.
العمود الثامن: المالكي في "غزوة" جديدة
نشر في: 11 إبريل, 2012: 10:42 م