اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في لوحات الفنان علي جبّار..المتلقّي هوالذي يستدرج المحذوف ويكمل الصورة الناقصة

في لوحات الفنان علي جبّار..المتلقّي هوالذي يستدرج المحذوف ويكمل الصورة الناقصة

نشر في: 13 إبريل, 2012: 06:45 م

لندن/ عدنان حسين أحمداشترك النحّات والفنان التشكيلي علي جبّار بثلاثة أعمال فنية في المعرض الجماعي الذي نظّمته الملحقية الثقافية بلندن، لكننا سنركِّز في هذه الدراسة على اللوحتين الفنيتين فقط، وندع المنحوتة أو العمل التركيبي الصغير جانباً كي ينصب اهتمامنا على الرسم فقط، آملين أن نتوقف عند تجربته النحتية الكبيرة في وقت آخر خصوصاً وأنه حصد العديد من الجوائز العالمية في هذا المضمار.
تحمل اللوحة الأولى عنوان (موقف باص)، وهو عنوان إشكالي مثير للانتباه، غير أن هذا الموقف الذي يقدّمه لنا هو عبارة عن فضاء هندسي مصنوع من الزجاج طوله ثلاثة أمتار، ويبدو (الفيكر) في داخله وكأنه منحوتة موغلة في القِدم، لكنها وُضعت في مكان غريب عليها تماماً، وربما هي مقاربة لا واعية بين غربة الفنان علي جبّار الذي طلب حق اللجوء إلى هذا البلد الغريب عنه في كل شيء تقريباً، وهي غربة تشبه تماماً غربة هذه المنحوتة في موقف الباص الذي يشبه كابينة زجاجية. إذاً، ماذا ينتظر هذا الإنسان الغريب والمغترب في آنٍ معاً؟ هل ينتظر الباص حقاً؟ وإلى أين يريد أن ييمِّم وجهه؟ يقول مناخ اللوحة أن هذا الشخص الغريب ربما يتنظر حدوث شيئ ما، مثل القدّر الذي يأتينا من دون سابق إنذار، وربما يريد أن يعود مرة أخرى إلى مكانه الصحيح. لو تأمّل المتلقي هذا (الفيكر) فسوف يراه كائناً مركبّاً من عدة أشياء فقد يكون منحوتة، أو تكويناً مُنتزعاً من كتلة صمّاء، وقد يكون رأسها رأس حيوان أو إنسان أو طوطم. هل تستطيع اللوحة أن تقول كل هذه الأشياء دفعة واحدة، أم أنها حفنة أفكار مشوّشة تدور في ذهن هذا الفنان القلق والمأزوم في آنٍ معاً؟ إن ما يريده الفنان علي جبّار في هذا العمل هو القول بأنه كإنسان ومبدع منتج للفن والثقافة لابد أن يكون خليطاً من أشياء ومصادر ومرجعيات عديدة تمتد إلى ملايين السنين. كما أن الإنسان الذي يتعاطى معه مليء بالمشاعر الغامضة التي لا يُعرف مصدرها، وكيف تغلغلت إلى أعماقه بهذا الشكل الذي لا يُفسّر في كثير من الأحيان. إن الإرث الذي تحمله الجينات البشرية منذ ملايين السنين هي التي أفضت إلى هذه العُقد البشرية التي لا يمكن إدراكها بيسر. إن هذا الشكل الغامض والملتبس الذي يبدو محشوراً في (كابينة) زجاجية ضيّقة ما هو إلاّ مجموعة من المتناقضات التي تستدعي التساؤل والتفسير في الوقت ذاته. ولو سلّمنا جدلاً بأن هذا الإنسان المعقّد الذي يتناوله علي جبّار في أعماله الفنية قد يحب الحياة والموت، مثلما يحب الحرية والأصفاد، وينطوي على الحر والقرّ في آنٍ واحد، هذا الإنسان الغريب الذي لا يدرك أسراره جيداً هو نفسه الذي يجول في أصقاع العالم حاملاً غربته الروحية والبدنية علّه يفهم جزءاً يسيراً من سرّ الوجود الذي أرهقه وجعله هائماً على وجهه منتظراً منذ ملايين السنين انتظار المنحوتة الموغلة في القدم والمُحاصرة (كابينة) زجاجية قد تشبه موقف الباص في المنفى الثلجي الدنماركي. ربما تذكِّرنا هذه اللوحة بـ (صرخة) أدوارد مونك، وتستدعي ذات اللون البرتقالي الذي تحتفي به خلفية اللوحة التي تبدو منفصلة ومعزولة، وربما متراجعة بفعل تقدّم الكائن البشري الذي قلنا عنه بأنه منحوتة أو رأس بشري أو حيواني، لكنه محاصر ومنزوٍ ويتطلع نحو أفق المجهول بعينين جامدتين.لا تختلف اللوحة الثانية التي أسماها علي جبّار (في الخطوات الأولى) عن سابقتها (موقف الباص) وأوجه التشابه كثيرة لعل أبزرها المناخ اللوني الأزرق الذي يهيمن على خلفية (الفيكر) وما تحتويه من دوائر على الجانب الأيسر لعيني المُشاهد. أما (فيكر) هذه اللوحة فقد أخذ شكلاً غريباً هو الآخر يجمع بين الإنسان والحيوان والكائن الغريب الذي لم يسبق لنا أن رأيناه اللهم إلاّ في أفلام الرعب والفنتازيا، لكن الشيء اللافت للنظر أن يعود بنا إلى تجربة علي جبار الفنية السابقة التي كان يغطي بها رؤوس (فيكراته) ليترك لنا فسحة للتخيّل والتأمل والاستنتاج، فيما يستغني أحياناً عن جسد الكائن البشري برمته لتأخذ ملابسة شكل الرجل والمرأة، أو هيئة الصبي والفتاة، لكن المتلقي سوف يكون المساهم الرئيسي في استدراج المحذوف، وإكمال الصورة الناقصة. لقد استوحى علي جبّار مضمون هذه اللوحة وشكلها من قصيدة لبلند الحيدري يقول في مقطع منها لم يتأكد منه جيداً (في الخطوات الأولى للسفر تمزق ظلي وميض الخناجر) لقد استقرت هذه الصورة في ذهن علي جبار وهو يستمع إلى شقيقه الأكبر وهو يردد دائماً هذه القصيدة. لم يكن علي قد جرّب السفر بعد، وحينما كان يسافر ضمن حدود بلده كانت تنتابه مشاعر هائلة لا تُفسّر هي الأخرى، ولكنها تشبه (وميض الخناجر التي تمزِّق ظله)! فهو لا يعرف ماذا سيحدث له بعد مدة قصيرة من شروعه بالسفر، ولكنه كان موقن تماماً بأنه سوف يتعرّف على بيئة جديدة، ومناخ مختلف، وأناس يشبهونه في الملامح الخارجية، لكنهم يختلفون عنه في المشاعر والرؤى والتخيلات التي تربكه وتفضي به إلى دائرة الحيرة الأبدية. يبدو الفنان علي جبّار مثل فنانين آخرين غادروا أوطانهم الحارة والتجأوا إلى بلدان باردة في كل شيء بالنسبة لهم فلا غرابة أن يخضع، هو وغيره من الفنانين، إلى ثنائية الشحن والتفريغ اللونيين، إذ تظهر في لوحته ألوان باردة يستمدها من الفضاء الجديد، لكن هذا لا يمنع في بزوغ بعض الألوان النارية الحارة التي تقلب السياقات اللونية لهذا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram