TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مراهقو سياسية

مراهقو سياسية

نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 08:05 م

تدعونا ملابسات المشهد السياسي العراقي، إلى الحكم على مواقف وآراء ونشاطات بعض السياسيين، أيام معارضتهم صدام، بأنها أقرب إلى المراهقة السياسية، منها إلى النشاط السياسي المبني على رؤية دقيقة لحاجات شعب ومصالح أمة ومصير بلد.. فتكرار أي معارض للجرائم السياسية التي طالما استنكرها، تكشف عدم فهمه لطبيعة الظروف الموضوعية التي أنتجت تلك الجرائم، ليفهم بمرحلة لاحقة إن كان بمقدوره تلافيها في حال تسلمه السلطة.. ومن هنا تحوَّل بعض معارضي صدام، وما أن تسلَّموا المسؤوليات في الدولة، إلى مسوخ بملامح صدامية مشوهة، يؤكدون، يوماً بعد آخر، أنهم ماضون على نفس طريقه، يرتجلون حيث ارتجل ويستبدون بما استبد به، ويتعسفون كما تعسف..
لا أقصد هنا فصيلاً سياسياً بعينه، بل جميع من اشترك بمعارضة صدام سابقاً، وأصيب بِمَسِّ التَشَبُّه به ما أن جلس على كرسيه لاحقاً، فكل هؤلاء كانوا فيما سبق مراهقين سياسيين إلى درجة جعلتهم يعتقدون بأنهم قادرون على النجاح حيث أخفق، لأنهم لم يدركوا الأسباب الحقيقية التي دفعت صدام إلى الإخفاق، الأمر الذي دفعهم إلى رفع شعارات عرف صدام حينها، ومن واقع التجربة، أنهم غير قادرين على دفع تكاليفها الباهظة، وربما ضحك داخل سره من سذاجتهم آنذاك.
هل فشل صدام بتحقيق الرفاه الاقتصادي وهو يدير واحدة من أكبر الدول النفطية؟ نعم فعل. فهل فشل في بناء جسور الثقة بين مواطنيه من الأطياف المختلفة إلى درجة تؤدي لتحقيق أدنى مستويات السلم الأهلي؟ نعم فعل. فهل فشل صدام في إدارة أزماته مع الدول المجاورة بشكل يضمن سيادة العراق ولا يضر بمجاوريه؟ نعم فعل. فهل فشل صدام في أن يَخْرُج من ضيق الطائفة وخانق الآيديولوجيا، ويقود الدولة بمنطقها القافز على كل الانتماءات، باستثناء الانتماء للوطن؟ نعم فعل.. وهكذا نستطيع أن نعدد الكثير من الفخاخ التي سقط فيها صدام بكل عنجهية وعناد، وربما حتى سذاجة، وسقط فيها غيره ممن اشتركوا بقيادة هذا البلد بعده.
لست بمعرض التبرير لصدام، لكنني بمعرض التأكيد على أننا لسنا فئران تجارب، ليأتي كل من لا رؤية لديه ولا دراية ولا بُعد نظر، فيجرب فينا بضعة شعارات لا يدرك هو كلفتها الحقيقية، ثم وبعد أن يستهلك من سنيِّنا ومن مواردنا ومن أرواحنا ما يستهلك، ويفشل في تحقيق أي شيء غير المزيد من الخراب، يغادرنا، إذا غادر، محملاً بالغنائم ليأتي فاشل آخر بعده وهكذا..
ألم يتكرر هذا المصير المؤلم لمراتٍ عدة منذ التغيير وحتى الآن؟!
الديمقراطية مُكْلِفة يا سادتي، هي مكلفة إلى درجة توجب عليكم القبول بشرطها الأكثر كلفة، وهو شرطُ تطبيق مبدأ الانتقال السلمي للسلطة في داخل أحزابكم، قبل أن ترفعوا شعار تطبيقها بوجوهنا. قبول الآخر مكلف أيضاً، هو مكلف إلى درجة توجب عليكم التخلي عن حقوقكم وامتيازاتكم لصالح المختلفين معكم، ممن تبغضونهم، أو حتى تحتقرونهم، فقط لأنهم شركائكم في الوطن والمصير. وهكذا كل ركائز الدولة المدنية مكلفة، كلها باهظة الثمن، فهل تعرفون حقاً كلفة ما تدعون القدرة على تطبيقه؟ كنتم تؤلبون على صدام أنه أقصاكم، ورفض مشاركتكم السلطة، كنتم تؤلبون عليه أنه استحوذ على حزبه ثم على الدولة من خلال هذا الحزب، كنتم تفعلون ذلك لأنكم كنتم مراهقي سياسة، والمراهق لا يستطيع أن يقدر الأمور حق قدرها، لذلك كلكم الآن ممسك بخناق القيادة في حزبه ويفضل الموت على مشاركة الآخرين في أي من امتيازاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ملاك

    قدرةالكاتب على نقل الرؤيا دقيقة ومخلصة نتابع كتاباته وأدارته للحوارات التي يحسن فيها التنوع والحيادية.وبرغم تشاؤمنامن وجود مراهقين في أدارة مفاصل الدولة ألا أننا نفخر بقدرات ذكية ومضيئة كالتي يمتلكها شباب يبشر بالخير أمثال سعدون محسن تحياتي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram