شاكر الانباريبين فترة وأخرى اسافر الى أهلي في مدينة الرمادي لأقضي يوما او يومين على ضفة الفرات، بعيدا عن ضجيج العاصمة، وزحامها، وتلوث فضائها الذي بلغ مديات خطرة على الصحة، خصوصا الأطفال. وعادة ما اقارن تطور المكان بما كان عليه قبل سنوات، فأجد ريف الفرات بقراه، ومناطقه، وقد اصبح في حلّة اخرى، الطرق الريفية المسفلتة، والكهرباء،
ومحطات تحلية المياه، ومحلات الانترنيت، والأماكن التي توفر كل شيء الى السكان، حتى ان المرء لم يعد يحتاج الى المدينة. كل ما يريده موجود في القرى العصرية التي تضاعف تطورها خلال السنوات الأخيرة، بعد ان تخلصت من المجاميع الارهابية التي كادت ان تمحق شخصيتها، وتطورها، وحداثة حياتها. اما حين انتقل الى المحافظة فأجد وكأن مدينة اخرى تبنى من جديد، بدلا من جسر واحد كان يربط الضفاف بالمحافظة، اصبح هناك جسور عديدة حلت مشكلة الازدحام على ذلك الجسر الوحيد. كما دهشت من الكورنيشات التي انشئت محاذاة النهر، وعلى احدث الطرز في الهندسة. النهضة العمرانية لا يمكن ان يتجاهلها البصر. ثمة فنادق تنشأ، وعمارات، ومكاتب، وكراجات طابقية، وازالة لآثار الارهاب الذي هيمن لبضع سنوات على المحافظة، وظل رصاصه وتفجيراته على واجهات الأبنية وبقاياها المتهاوية. شيئا فشيئا تعود المدينة الى شخصيتها القديمة، المعروفة بمحافظتها، وتسامحها، ومحاولاتها للعبور الى الحياة المدنية. وهذا بارز في متنزهات الألعاب الموجودة وكانت كما رأيتها في الاسبوع الماضي محط جذب لآلاف العائلات والأطفال، وكان بارزا فيها الفتيات العصريات والشباب المتفتح، وهم يدورون مع دولاب الهوى صاعدين الى السماء باحثين عن افق آخر بعيدا عن التطرف، والعنف، والاحتلال. ورغم شكوى المواطنين من السيطرات وازدحامها، وانقطاع الكهرباء الوطنية، وندرة التوظيف، الا ان ثمة حركة هائلة تجري في الحياة اليومية، يمكن لمسها، اذا ما تجول المرء في المدينة، سيارات حديثة، معارض سيارات، سوبرماركتات، مدارس ترمم، طرق تبلط بين البيوت، حملات تنظيف للشوارع، ساحات منظمة تنتأ منها حدائق صغيرة وتماثيل للزينة. انتعاش اقتصادي على اكثر من مستوى، ونقاهة اجتماعية تطفو الى السطح. يحس الفرد ان حركة عمرانية متعددة الأوجه تجري بشكل مخطط ومنتظم، مع نسبة عالية من الأمان بين البشر، بوجود شبكة كبيرة من القوى الأمنية تتواجد حتى ابعد نقطة من الريف. ربما لا ينسب هذا الحراك العمراني والاجتماعي الى الحكومة المحلية فقط، بل ايضا الى ابناء المحافظة الذين عرفوا الطريق الصحيح للوصول الى برزخ الاستقرار، والأمن، وتحقيق الذات. في هذه المدينة لم يعد الفكر الطائفي، والتطرف، مقبولا، كما ان الشعور بأنها جزء من العراق الجديد هو شعور شعبي، وهذا ما بدأت المدينة تعيشه عمليا. فهناك عمال وموظفون من اغلب مناطق العراق، كما ان اهمية مشاركتها في الشأن العام صار هاجسا للمسؤولين والنخب الاجتماعية، ومثال على ذلك عودة فرع اتحاد الادباء في الأنبار الى اقامة فعالياته بشكل دوري، عبر أماسٍ شعرية وندوات ومحاضرات ولقاءات، أخذت تستقطب عددا لا بأس به من الأجيال الشابة، في القصة والشعر والرواية والمسرح والفن بشكل عام. الرمادي مدينة تزهر من تحت الرماد مثل طائر الفينيق.
كلمات عارية :عودة الروح الى الرمادي
نشر في: 13 إبريل, 2012: 09:29 م