أحمد حسينما الذي يمنع المنظومة الدينية إسلامية كانت أم غير إسلامية، شيعية وسنية، من تحشيد الجماهير لزيارة معارض الكتب؟!، لست متفقهاً في الدين لكنني لا أعتقد بوجود حرمة شرعية تخشاها المرجعيات الدينية إن دعت أتباعها إلى مثل هكذا زيارة، من منطلق الحديث النبوي "اطلب العلم ولو كان في الصين"، وها هو العلم يأتينا ساعيا ليحط رحاله في أجنحة المعارض العراقية التي تقام سنويا في محافظات عدة.
معرض أربيل الدولي يزوره يوميا نحو 65 ألف عراقي وعراقية من مختلف المحافظات العراقية، بحسب ما ذكر القائمون على المعرض، وإذا ما افترضنا استمرار معدل الزوار هذا طوال أيام المعرض العشرة فالحصيلة هي 650 ألف زائر، رقم لا يشكل نسبة 10% من أعداد زوار الأربعينية الحسينية الأخيرة، هذه الزيارة التي تكلف الدولة سنويا مئات المليارات من الدنانير سواء بما يتم تقديمه من خدمات صحية وبلدية، ومالية تبلغ خمسة ملايين دينار لكل موكب من المواكب الحسينية التي تقدر بالآلاف، إلى جانب مئات أخرى من المليارات تصرف من قبل الأحزاب الدينية وبعض رجال الدين والأثرياء ومواطنين من الطبقات المتوسطة وحتى الفقيرة.فضلا عن ذلك هناك أضرار وخسائر يتسبب بها الزوار تقدر بمئات المليارات من الدنانير أيضا، ناهيك عن تعطيل الحياة وقطع أرزاق آلاف من عوائل الكسبة، يضاف إلى ذلك الدوائر والمؤسسات الحكومية وحركة الحياة التي تصاب بالشلل.الزيارات الدينية ما هي إلا تحدٍّ أكثر منها أداء لطقوس عقائدية، وللتحدي أن يتخذ أشكالا عدة ليس بالضرورة أن تكون جيوش (المشاية) أو نصب السرداق في الطرقات، للتحدي أن يأخذ شكل محاربة الجهل والأمية بالثقافة. لا انتقص بذلك من عقائد الآخرين ولا أقصد تسفيه معتنقيها بقدر ما أطرح تساؤلا مفاده: ما الذي يمنع مرجعيات مختلف الأديان من دعوة أتباعها إلى تنظيم زيارات أربعينية مصغرة لمعارض الكتب؟ إنها زيارة لا تخرج على الملة ولا تعني ارتياد أماكن يرتادها الذين كفروا، ففي المعارض أجنحة متعددة للكتب الدينية.ليست معارض الكتب نوادي ليلية ولا هي حانات، كما أنها لا تتعارض مع العقائد سماوية كانت أم أرضية، بل هي تعززها وتنمّي وعي معتنقيها بما تقدمه من مؤلفات فقهية وغير فقهية تعنى بشؤونهم.لا أدري ما هو سر التفاؤل الغريب الذي خالجني وأنا أكتب هذا العمود وأطرح هذه الفكرة، ربما هو تفاؤل مبعثه الأمل بأن يلتفت رجالات الدين إلى تثقيف أتباعهم وتوسيع مدارك وعيهم لفهم الدين والحياة بالشكل الصحيح، هذا الفهم الذي غاب لقرون طويلة عن الوعي الجمعي وترك الساحة مفتوحة أمام التطرف والعنف وتوظيف الأديان توظيفاً منفراً لتحقيق منافع ومصالح فئوية وشخصية.
أربعينية أربيل!
نشر في: 14 إبريل, 2012: 07:59 م