TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محمود صبري .. جدل الفكر والمواقف الجريئة

محمود صبري .. جدل الفكر والمواقف الجريئة

نشر في: 14 إبريل, 2012: 08:10 م

صلاح عباس قبل سنتين تسنت لي فرصة التحدث هاتفيا مع الفنان محمود صبري الذي غادر العراق إلى موسكو سنة     1961 لدراسة الفن وبعدها انتقل إلى براغ فانتخب سكرتيرا للجنة الدفاع عن حرية الشعب العراقي بعد ان انهارت الجمهورية الأولى سنة 1963, وكان حديثنا عن صورة فوتوغرافية له يصافح فيها ملك العراق فيصل الثاني كنا قد نشرناها في مجلة تشكيل كغلاف رابع , إلا انه أنكر هذه الصورة نافيا أن يكون
 قد التقى بملك العراق الذي يمثل اكبر رمز للعمالة الانكليزية بحسب وصف محمود صبري وادعى ان هذه الصورة مصنعة بأحد برامج الحاسوب وهذا يسيء إليه وهو لن يسمح بالإساءة أبدا .وبصراحة انتابني شعور بالريبة والخجل وحبست هذه المعلومة في سري لأنها قد تثير مشاكل لا طائل منها ولكنني أثق بالرجل الذي زودني بهذه الصورة وهو الفنان الخطاط طه البستاني واتصلت به فورا استعلم منه حقيقة هذه الصورة فقال انه حصل عليها من بنت أخته وهي دكتورة وصيدلانية , وشاءت الصدف أن التقي بالأستاذ حمدي التكمجي المقيم في عمان وأعطيته نسخة من مجلة تشكيل ففرح كثيرا وعلق على صورة محمود صبري مع الملك بأنها أروع صورة وقال نعم انه التقى بملك العراق فيصل الثاني سنة 1956 وحكى لي عن مواقف كثيرة لمحمود صبري بينها ، ان محمود صبري نشر مقالا في احد أعداد مجلة الثقافة الجديدة في سنة 1957 عن جواد سليم ومشاركته في المعرض الذي أقامته السفارة البريطانية ببغداد متحدثا عن جواد بكلام خشن ولاذع لأنه شارك في معرض أقامته السفارة البريطانية التي تعتبر بؤرة للعمالة والجاسوسية في حين بين مواقف جواد سليم الوطنية وليس بالضرورة ان ينخرط في تيه عالم لا ينتسب إليه ، وبحسب محمود التكمجي , فإن جواد سليم حين قرأ المقال بكى كثيرا وتساءل بأن الاشتغال على الفن والمشاركة في المعارض  شيء والمواقف السياسية شيء آخر .لقد عرف عن محمود صبري انه كان من ابرز المثقفين في العراق وله خوض في مجالات علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والفن ومنذ سنة 1952 انضم إلى جماعة بغداد للفن الحديث التي تزعمها جواد سليم ولعب دورا رياديا في التأسيس الفني رؤية وتنظيرا وإبداعا فنيا متقدما فكان يعنى بالرسم التعبيري المسوغ بالرموز المتماسة مع المواقف الجريئة المتوافقة مع خصائص المجتمع العراقي فجسد أعمالا عن أهمية التضامن الاجتماعي بين فئات المجتمع , العامل والفلاح الطبيب والمهندس المرأة والرجل إلام والطفل وسوى ذلك وجاءت أعماله الفنية محملة بالمستوى المتقدم في الأداءين اللوني والخطي , ومغزى التضحية بالنفس في سبيل قضية عامة  وأنجز سلسلة من اللوحات تحت عنوان نعش الشهيد مجد فيها مفهوم الشهادة كما أن الفنان أنجز مجموعة فنية رائدة عن أحداث البلاد بعد سقوط جمهورية عبد الكريم قاسم ونفذها بطريقة الليثوغراف أي الطباعة الحجرية وكانت عبارة عن تخطيطات بقلم الرصاص راعى فيها قيم الفن التخطيطي وابتكر لها أشكالا تستند إلى قواعد الضبط في التصميم وتحفى بقيم الموضوعات المثيرة ومن خلال هذه السلسلة من الرسومات الورقية فانه صنع شيئا مهما لتاريخ السياسة للعراق وكذلك لتاريخ الرسم العراقي المعاصر وعند تتبع مسارات الأصداء المترددة عن هذه الرسومات فأننا نجد أن الفنانين حميد عبد الحسين وإبراهيم رشيد وهناء مال الله نهلوا من عطاءات محمود صبري لاسيما في رسوماته التخطيطية المنفذة بطريقة الليثوغراف محققين غايات إبداعية جديدة دخلت بجدارة في تاريخ الرسم العراقي المعاصر.إن تصفح سفر محمود صبري يفضي إلى عالم الوفاء والإخلاص لقضايا البلاد ويؤكد المواقف النبيلة للفنان في الحقب الزمنية المختلفة فقد تضامن مع الشعب الجزائري وأنجز سلسلة من الأعمال الفنية الممجدة لثورة الشعب الجزائري في كفاحه العنيد ضد الاستعمار الفرنسي فكانت لوحته (ثورة الجزائر) تمثل خلاصة رائدة واشتقاقا مهما من الحداثات العالمية ومما يقال عن هذه اللوحة أن بيكاسو شاهدها معروضة في باريس فأعجب بها.وفي مطلع العقد السابع أنهك الفنان لتأسيس منهج فني جديد وسبل انجاز جديدة ألا وهي (واقعية الكم) التي أثارت زوبعة في حينها ولم تزل أصداؤها تتردد لحد الآن فالمنهج الذي أسسه محمود صبري مجترحا من المعطيات العلمية الجديدة ومشاركة ذلك في انجاز الأعمال الفنية وكانت بينه وبين قتيبة الشيخ نوري مراسلات عن آفاق هذه التجربة التي شدت الانتباه إلى كون الإنسان يتشكل من مجموعة كبيرة من العناصر والمواد الداخلة في بناه التكوينية وعلى ذلك فإن المنعطفات الحسية والعقلية للإنسان تتأثر حتما بمناسيب المواد المتكون منها وعلى هذا الأساس فإن تحصيل الحاصل لهذا المنطلق النظري أدى إلى إنتاج سلسلة رائعة من الأعمال الفنية المجردة هندسيا وهي عبارة عن أشرطة لونية تتجاور وتلتصق فيما بينها لتشكل تكوينا منظما ومعبرا عن الحالات الإنسانية المختلفة ولقد أشارت الناقدة بديعة أمين في كتابها الموسوم (المعنى والرؤية) في مقالة لها بعنوان " واقعية الكم في متاهة اللامرئيات"  ان هذه الواقعية الجديدة لها سحرها الأخاذ من خلال فخامة الفكر المخبوء بين ثناياها وفي هذا السياق فإن للفنان وليد شيت وجهة نظر أخرى نشرها في احد أعداد مجلة تشكيل قال فيه " إن واقعية الكم لا تنتسب للفن بل تنتسب للمختبرات العلمية وذلك في رد على الشاعر صادق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram