اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محمود صبري.. غياب بحجم الوطن

محمود صبري.. غياب بحجم الوطن

نشر في: 14 إبريل, 2012: 08:23 م

د. جواد الزيديمنذ أن تعلق عشقا بقاع المجتمع وانتمى إلى آلام الناس وبحث في شوارع الوطن الخلفية وناضل من أجل إعلاء الصوت الهامشي وتجميل أحلامه المثقلات بصورة الوطن والناس، غادره الوطن بفعل قسوة السلطة وسدت عليه الطرق المؤدية إلى قلب الوطن وشرايينه ، وأغلقت المنافذ وظل يدور في المحطات الموحشة يفتش عن ممر جانبي فوق هامة الأرض يحدد اتجاه الوطن لعله يوصله إلى هناك والذي يعني ألـ (هنا) .
أي غياب موجع وأي فراغ سيتركه رحيل فنان الشعب محمود صبري بعيدا عنا في أصقاع الأرض الباردة ، وأي حضور سيتركه الغياب الذي يلف موسيقى اللون وذرات الهواء والماء في مختبر تشكل الحياة ومرسمها ، أي صوت تردده الغابات والمفازات البعيدة والمدن الحالمة بشمس تأخذ بريقها من أحلامه الصادقة، حتما ستظل روحه محلقة في سماواتنا ملهمة لأجيال قادمة في المعاني السامية .نصف قرن من الزمان وهو يواصل بحثه اليومي عن معنى للحياة قبل أن يبحث عن معنى جديد للفن ، حاول استجلاب الأفكار الفلسفية في النظرية الاجتماعية وصراع الطبقات ويرحلها إلى نظريته في الفن التي تقوم على هذا الأساس في بحث طويل انتظر نتائجه ليجد نفسه يغوص في أعماق تفاصيل جزئية من الواقع الذي يعده كليا . الواقع السري الذي لفه اليوم عندما كان يتنقل للتعرف على أسراره أو الوصول إليه يتأمل شكل اللوحة ونظامها ويقاربها مع نظام الواقع الخارجي .إن رحيل محمود صبري أحد أهم رواد الفن التشكيلي ومنظريه ، لم يعد خسارة فن ، بل خسارة وطن افتقد أحد أهم رموزه الثقافية والوطنية على السواء ، تأخرت المؤسسة الرسمية عن الاحتفاء به أو استذكاره الذي يعني تأخر وطن عن الاحتفاء بأبنائه العاشقين . لا زالت ذكرى شكسبير وغوركي وبوشكين وحمزاتوف وبيكاسو تعاد سنويا لتتعرف الأجيال على حياتهم ومنجزهم وعلاقتهم بالوطن والناس، ولا زال الوطن الذي أحببنا طاردا لخلايا العقول الخلاقة بتعاقب الفصول . في رحيل صبري على الوطن أن تهتز أعمدته وأن ننكس أعلام أرواحنا على هذا الغياب المر ، لأن اللحظة المعاصرة هي لحظة المبدع والعاشق والخالق المحترف ، وبغيابه نفقد خاطرنا الجميل وتأملاتنا الحالمة التي لا يمكن الإمساك بها أو العودة إلى تفاصيلها ، بوصفها جزءا من حتمية التأريخ وظروفه الموضوعية المحيطة ، التي لا تعيد نفسها أبدا . فعندما لم نحتف بوجوده أو بألقه وهو يتمعن تفاصيل البلاد والمدن الغافية فنستذكر الرحيل ونضيء الذكرى لعل الذاكرة تلتقط بعض الشيء وتعيد تشكيلها من جديد من أجل حياة وطن وفن يوازي فنون الأرض .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram