TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > صمت محمود صبري

صمت محمود صبري

نشر في: 14 إبريل, 2012: 08:26 م

 علي حسين كتب محمود صبري عام 1956 في مقالة عن واقع الفن إن "على الفنان العراقي ان يعمل جاهداً لخلق تقاليد فنية ثابتة تعكس حقاً الأوضاع والمتطلبات الجديدة المتنامية "وبعد أربعين عاما يكتب "جميعنا نبحث عن مساحات حرة حتى وان كانت مؤقتة، لأننا جميعا نحمل في نفوسنا تاريخا من الالم ،
وندرك ان الخلاص غير وشيك "في براغ التي وصلها عام 1963 تبلورت لديه اكثر فكرة ضرورة الربط بين الفن والعلم. هناك اطلق . بيانه الشهير حول "واقعية الكم" في عام 1971 واقام معرضه الاول الذي احتوى على انجازاته في هذا المضمار. وقال عن نظريته الجديدة:" التجارب الاخيرة التي اعمل عليها الآن، على واقعية الكم او ما اسميه المرحلة الثانية التي تستند على افكار اينشتاين النسبية، من ان الزمن متغير وان كل جسيمة لها زمنها الخاص". في  تلك الغربة الموحشة التي امتدت حتى لحظة رحيله ، حاول الفنان القادم من بلد أثقلته المآسي والمجازر والصراعات السياسية أن ينطلق في الآفاق الشاسعة التي اتسعت أمامه وكان كلما تقدم في سبل الفن ، يكتشف سعة الهوة بين عالم القناعات البليدة والراسخة وعالم العقل الذي يعمل من أجله ويصبو إليه، كما لو أن عليه أن يجتاز قرونا في سنوات معدودة، إلى أن وقع ذات يوم على اينشتاين الذي وجد في أفكاره القربى والسلوى، وانصهار الفكر في الإبداع، ويكتشف أوجه الفنان والمثقف المتعددة، في هيئة رجل  منكوش الشعر، وصفه معاصروه بأنه متفنن في جميع أنواع العلوم، محب للفنون والسلام، اتأمل لوحات محمود صبري ، وانظر إلى ملامح وجهه المحببة الى النفس ، واسأل: هل كان يريد أن يقول لنا انه عاش غريبا ؟ هل كان يريد أن يدلنا على نفسه ؟ أليس هو الذي بحث وكتب من اجل ان يرسخ لمفهوم الحرية والعدالة الاجتماعية  ، ما هي المسألة الفكرية أو الفنية التي لم يمخر محمود صبري عبابها ؟ وكم فيه من خصال العالم  وحبه للعلم ومن أريحية الفنان وهو يبحث عن الجمال ، ومن شقاء المفكر في سبيل فضول المعرفة ؟ وأي عام هو العام الذي مر ولم نسمع فيه ان الرجل العراقي الروح والانتماء لا يزال يبحث عن شكل جديد لفن عراقي جديد  الروح ، عالمي الشكل ؟ وأسأل عن جديده فيخبرني احد الأصدقاء أن الفنان يريد ان يطور نظريته في واقعية الكم في ضوء التطورات الجديدة التي حصلت في مجال العلوم والفيزياء، فالرجل قد تجاوز الثمانين إلا أن فكره لا يزال متوقدا ونعرف نحن محبيه ان فناننا الكبير   كان مريضاً، يرسم ويتألم ، ويتألم ويفكر. يرفض أن يترك فرشاته قبل أن يترك دنياه، انه إصرار الفنان المجتهد، حتى الرمق الأخير ليعطي الكثير من نفسه من أجل أن يحررنا من الرواسب.يكتب بيكاسو :" إحدى مزايا الفنان هي أنه لا خيار له سوى المزيد من الفن".  الفن هو الذي قاد محمود صبري لأن يحدث ثورة في الرسم طارحا السؤال الكبير: لماذا تخلى الفنان الشرقي عن سؤال العقل ؟ ظل صبري طوال رحلته الفنية يمثل طرازا من الأساتذة العظام الذين وهبوا حياتهم للبحث والتأمل مؤمنا بأن لا شيء في الحياة أعلى قيمة من الفكر والدراسة وقد لخص هو بنفسه أفكاره في كلمات موجزة " اعتقد أن الفنان يحتاج إلى الإلمام بدراسة  علم الاجتماع والنظريات النقدية الحياتية، والفلسفة والعلوم. حتى في دراسة اللوحة نحتاج إلى معرفة العوامل الاجتماعية والبيئية التي دفعت الفنان  لاختيار هذا الموضوع، لعل هذا الدرس هو اول الدروس التي يجب ان يتعلمها كل فنان".كعادة الموتى يوغل محمود صبري في الصمت، لكن أي صمت لرجل ظل طوال ستة عقود مالئ الفن وشاغل الحياة ، فهو حين يوغل في صمته فإن آثاره الفنية وكتبه ودراساته ومحبيه وتلامذته  يوغلون في الحوار، وهم يحفظون بكل حب كلمات معلمهم وينتزعون منها طريقاً للمستقبل، ومهما تنوعت الأساليب التي استخدمها في التعبير عن آرائه وأفكاره، بقي عنده مقصد واحد جلي لم يمل عنه إطلاقا ، هو الحرية للإنسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram