علي حسينيبدو أن البعض لا يطيق الحياة دون أن يقدم لنا كل يوم مشهدا جديدا من دراما المفاجأة، وهؤلاء في كل مرة يؤكدون قدرتهم في صناعة أسباب الغضب وتنميتها في صدور الناس. فاعتقال فرج الحيدري دراما مثيرة للجدل.. والانتظار لما ستفعله الحكومة مع البنك المركزي دراما أكثر سخونة، ومعركة الصلاحيات دراما أكثر واقعية..
لكن المشاهد الأكثر تشويقا هي ما طرحه بعض أعضاء ائتلاف دولة القانون بأنهم اقنعوا السيد المالكي بأن يترشح لولاية ثالثة، فقد اخبرنا النائب سلمان عيسى أن ائتلافه نجح في إقناع "رئيس الوزراء بترشيح نفسه لدورة ثالثة، وهو حق دستوري، مضيفا أن "المالكي هو الشخصية الأقوى حاليا داخل التحالف الوطني، ولا توجد فكرة لدى الأعضاء بسحب الثقة عنه".ولان فصول دراما الشخصية الأقوى في البلاد قد عاشها العراقيون من قبل على مدى عقود طويلة، وحفظوا مشاهدها عن ظهر قلب، فكثيرا ما يفاجأ المواطن المسكين بأنه لا يمكن له العيش دون رجل قوي يحميه من غدر الزمان، ودائما ما نسمع تحليلات سياسية من عينة ان لا جدوى من الديمقراطية لأن "العراقيين من طبيعتهم العنف" ولهذا فهم يحتاجون إلى قائد همام، تخبرنا تجارب الشعوب بان أكثر من عشرة رؤساء تغيروا في أمريكا منذ منتصف القرن الماضي، وتقلبت فرنسا من الديغولية الى الاشتراكية الى الوسطية أكثر من مرة، وخرج من الحكم زعماء في بريطانيا بحجم ماكميلان وتاتشر وبلير، ولم تقم مظاهرة في نيويورك او باريس او لندن، ولكننا في العراق ما أن قررنا أن نفتح نوافذ للحرية وان نتخلى عن " القائد الضرورة "، حتى وقف البعض ضد هذه الفكرة المجنونة، مصرين على أن نبقى نردد مثل الببغاوات "بالروح بالدم".. دائما يحاول البعض من اللاعبين على حبال السياسة أن يؤكدوا أن العراق قد تعصف به رياح عاتية لو انه تخلى عن السيد المالكي، دائما ما يطلب من الناس أن تغيب عقولهم وراء ضباب الجهل، مناظرات سياسية، وحروب يقودها ساسة ومسؤولين يريدون تزييف الديمقراطية بشعارات فارغة من اجل حاكم يجثم على نفوس المارة في أيٍّ من شوارع العراق. يريد البعض اليوم ان يغذي لنوع جديد من الدكتاتورية سنطلق عليه "الدكتاتورية الأبوية"، وهذا المدلول يمثل تماما العلاقة بين الأب والأبناء في الأسرة أو العلاقة بين رئيس القبيلة ومرؤوسيه.بالعودة إلى موضوعة الدكتاتورية العادلة تجد أن مفهوم العدل المرتبط بشخص الدكتاتور إنما هو نوع مزيف فما هو العدل الذي سوف يتميز به الدكتاتور، وبماذا يختلف عن العدل الذي يتم بالخضوع لقوانين الدولة أو تشريعاتها، هذا التصور "العدلي" هو تأكيد للصفة المميزة للمستبد العربي كونه سلطة أبوية أو سلطة إلهية. يكتب مونتسكيو في كتابه الشهير روح القوانين ان الديكتاتور هو الذي ينفرد بالرأي والحكم وفقا لأهوائه ورغباته دون مشاورة أو استرشاد من أحد، ولا يملك أية فضيلة يعتمد عليها في تأكيد مشروعيته السياسية سوى ما يحاول أن يزرعه في أذهان وقلوب المجتمع من الخوف والمهانة، بحيث لا يكون في نفوسهم سوى الترهيب والتخويف، اعتقادا منه بأن ذلك يوفر الطمأنينة والسلام".ناضل العراقيون على مدى عقود من اجل إسقاط نموذج الحاكم الأب من حياتهم العامة ويستمر أملهم اليوم في حياة سياسية سليمة، وهم يدركون جيدا أن نغمة: "البلاد تحتاج الى رجل قوي" انما يراد بها عودة للتسلط الذي إذا ترسخ وأفرخ في اي بلاد وطال به المقام فإنه سينتج الفساد ويذل العباد. يعتقد البعض ان العراقيين اليوم متلهفون لطلة القائد الاب، فهو الوحيد الملائم لهم في زمن الاضطرابات وغياب القانون والفوضى السياسية ، وسيكون الهتاف له جزءا من نسيج الدراما الواقعية.
العمود الثامن: واخيراً اقنعوه!!
نشر في: 14 إبريل, 2012: 09:44 م