بغداد/ المدىطفل صغير ملامحه جميلة وحيد أبويه عمره لا يزيد على ثماني سنوات ، شاء حظه العاثر أن يدفع حياته ثمنا للإهمال واللا مبالاة ... كل ذنبه أنه غادر منزله ليشتري لفة فلافل ويأكلها ... وليته ما غادر منزله ... صعقه التيار الكهربائي الساري في أحد أعمدة الكهرباء المتدلية منها الأسلاك بصورة عشوائية وأودى بحياته على الفور ... ذهب والده إلى عمله في إحدى دوائر الشرطة ... وانشغلت الأم بأعمالها المنزلية .. ... لكن في هذا اليوم لم تسمح الأم لطفلها كريم أن يلعب في الشارع كما تعوّد كل يوم ...
كانت دقات قلبها تنذرها بأن مكروها يحدث لطفلها لو غادر المنزل .. مرت الدقائق والساعات في هذا اليوم بشكل طبيعي وعندما أشارت عقارب الساعة إلى السابعة مساء طلب الطفل كريم من والدته أن يشتري لفة فلافل من المطعم الكائن في رأس الشارع لأنه يشعر بالجوع ... وقبل أن يهم الطفل كريم بمغادرة المنزل ... أمسكت الأم يده ونظرت في عينيه وكأنها تودعه وأكدت عليه بألا يتأخر أو يذهب لأي مكان .. واستجاب الطفل لكلام والدته ووعدها بعدم التأخر ... لم تكن الأم تعلم أن هذه اللحظات الأخيرة من حياة كريم ... ولم تكن تعلم بأن اللفة التي ذهب من أجلها لن يتناولها أبدا ... ولم تعلم أن كريم ذاهب إلى الموت وبدون رجعة ، ربما لو علمت ما أرسلته لشراء أي شيء وما سمحت له بالخروج ... كذلك هو كريم هو الآخر لم يكن يعلم انه سيغادر هذه الدنيا بعد دقائق معدودة وأنها المرة الأخيرة التي سيرى وجه أمه فيها ... ذهب الصغير إلى المطعم لشراء لفة الفلافل ... وأثناء عودته وهو في طريقه للمنزل تعثرت قدماه بسلك كهربائي مكشوف متدلّ من احد الأعمدة الكهربائية الآتية من إحدى مولدات الحي الشعبي ... صرخ كريم صرخة قوية أفزعت الناس في الشارع الضيق ... أسرع الجميع إلى مصدر الصوت شاهدوا مشهدا يدمي القلوب ... كريم الطفل الجميل وقد احترق تماما والتصق جسده بالعمود ... حاول بعض الصبية جذبه عن طريق قطعة خشبية لكن عندما حمله بعض الجيران كان قد فارق الحياة ... وبجواره لفة الفلافل لم يستطع تناولها .. على الجانب الآخر شعرت الأم بالقلق بعد تأخر عودته ... بدأت ضربات قلبها تزداد خفقانا ... كانت تنظر لعقارب الساعة ... دقائق عصيبة تمر على الأم ... قلبها يعتصره القلق ... فكر الأم مشغول ربما كانت تقول لنفسها ليتني لم أوافق على طلبه لشراء الفلافل وأنا عملتها له في المطبخ ... فجأة وبلا سابق إنذار خرجت الأم عن شرودها على صوت طرقات شديدة على باب البيت ... انقبض قلبها تمنت لو كان الطارق ابنها ... لكن عندما فتحت الباب وجدت أحد الجيران وهو ينظر إليها بعيون دامعة ... يحاول أن يتكلم ... لكن الكلام يقف عند فمه ، ولكن بادرته الأم بسؤال : وين كريم ... أجابها الجار ... وتمنت الأم لو انه لم يتكلم : كريم صعقه عمود الكهرباء ومات – هرولت الأم تسبقها دموعها وتصرخ بأعلى صوتها : كريم ... ابني ... ابني كريم مات ... عندما وصلت إلى مكان الحادث أغشي عليها عندما شاهدت ابنها ميتا ... وهو قبل دقائق كان يملأ البيت ضحكا ومرحا وسعادة ! حملت الأم طفلها بمساعدة الجيران وذهبت إلى المستشفى ثم اتصلت بزوجها لتبلغه بالخبر المشؤوم وبمجرد سماع الأب الخبر فقد توازنه ... تعالت صرخاته وهو في سيارة شرطة النجدة التي أقلته إلى المستشفى ... وطوال الطريق كان يمني نفسه أن يكون الخبر غير صحيح ... تمنى لو أن ابنه ما زال على قيد الحياة ... تمنى لو أن زوجته كانت تمازحه .. خواطر وهواجس كثيرة دارت في مخيلته حتى وصل مستشفى الكندي ... وهناك شاهد منظراً هو الأكثر قسوة في حياته ... ابنه فوق المشرحة في غرفة الطوارئ هنا فقط تأكد الأب أن ابنه مات ... بكى وهو يسب الإهمال والمولدات ودوائر الكهرباء التي لا تبالي بحياة الناس بعد أن فقد ابنه وقرة عينه .. التقيت الأب الذي تحدث وهو يمسح الدموع من عينيه ... ابني مات والجاني هو صاحب المولدة الذي ترك الأسلاك متدلية فوق رؤوس الناس والأطفال ... رغم أن الناس اشتكت أكثر من مرة من وضع الأسلاك ضرورة وضعها في مكان عال ... لكن لا أحد يسمع ولا أحد يبالي ... أما أنا فلا يمكنني السكوت ،بل سوف أقيم دعوى على صاحب المولدة عند مركز الشرطة ... بعد ساعات قليلة من الحادثة الأولى ... كانت هناك مأساة أخرى بطلها أيضا طفل صغير اسمه محمد لم يتعد عمره الثلاث سنوات ... هذا الطفل ليس بغريب عن كريم ضحية المأساة الأولى ... ولكنه ابن شقيقة كريم ... محمد تعرض أيضا لصعقه مماثلة من نفس السلك ونفس العمود ونفس المولدة ... لكن لحسن حظه لم يلق مصرعه فقد تمكن الأهالي من إنقاذه في اللحظات الأخيرة ... لكنه أصيب بعوق في أصابع يده ... الأهالي في حي التنك بدأوا يحذّرون أطفالهم من الاقتراب من هذا العمود القاتل ... ولكن الأهالي في واد وصاحب المولدة في واد آخر وكأنهم في انتظار وقوع ضحية جديدة .
عمود الكهرباء.. صعق الطفل.. ومات وهو بجوار منزله!

نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:02 م