اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > حدائق البصرة التي لا تُرى

حدائق البصرة التي لا تُرى

نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:12 م

ياسين طه حافظ زيارتي الأخيرة لبصرة الأدب أرتني المدينة بواقعها المحشوّ بالأعاجيب وبالحب المحاصر ونداءات الاستغاثة الميتات على الوجوه وعلى الأبواب والأرصفة ، تلك الأرصفة التي نتأ طابوقها وحجارتها تستغيث . وارتني في البصرة شباباً وكهولاً يعملون وقّادين في ورش الشعر والكتابة ، يصهرون أفكاراً وعواطف ومتاعب يومية ليكتبوا في ظل الحداثة قصائد .
    أتابع قدْر ما يتيسّر لي كتابات أصدقائي في البصرة ، مشغل اللغة الأكبر ، كما في أي مدينة في البلاد العطشى بين نهرين . ابحث في المحاولات الجريئة لاقتحام الغاب، ابحث عما يبشر، عما يفرح، عما يجعلني أصيح: عظيم هذا منك يا صديقي !      هذه المرة قرأت مجاميع من هداياهم ، رطباً بصرياً نزل تواً وما يزال يحمل تحت إهابه دفء الشمس . قرأت لكريم جيخور وقرأت لعبد السادة البصري وقرأت لإيمان الفحام "المحشوّة بالياقوت" ، حسب وصفها ورضاي عن هذا الوصف ، وقرأت لأبي عراق ، علي ، الشغيل وافر الطاقة ، وقرأت لبلقيس المحترمة الخجول وقرأت لصبيح عمر هادئاً مثل عاشق لا يجرؤ ، ولعلي الإمارة الذي اعرفه من قبل . هي رزمة كتب للأشعار ، لحماسات الانجاز والسعي المخلص للأفضل . فرحي بهم أصدقاء يواصلون الفعل ، مصرين على أن يزرعوا السباخ ، التي مات فيها الزنج ، بانتصارات أشعارٍ وقصائد .     فرحي بالاجتهاد البكر هناك ، يوازي احترامي للكتابات الجديدة التي نقرأها مترجمة أو التي أكملت من زمنٍ سنوات النضج . فرحٌ هنا وفرحٌ هناك.     بعد هذا ، أرى مفيداً أن أقول بما يستوقفني ، بما يمنحني رضا خاصاً وسعادة شخصية فأنا لا أقول هنا أحكاماً ، ولكنها مباهج . أنا لي اهتماماتي التي ابحث عنها  ، ومن هذه ، قصائد الشاعر ، الذي  فلتت منه إشارة ضوئية والذي تفرّد بأجوائه وحاول أن يحدد له حقلاً زرعُهُ مختلف . مفرح هو كلما ابتعد عن التكرار وللمستقبل بعد ذلك رأي .     وجدت بعضاً من هذا "فيما يقترحه الغياب " قصائد هذا الديوان تحمل غبار الشارع وعرق الناس وحرارة الصيحات فيها مثل قوله: " رائحة الخانات وعطن الحنطة" وهو أرانا والده المتوفى حين كان "يحمل في الشارع سطلي لبن". ياللقطات الحية، مثل: "أطلق فوق النفايات روحه المرحة" وقوله "للعماريين وجوه تلبط فيها الأسماك .." مهمة هذه الحيوية في القصيدة تمنيت أن يكون الديوان خزانة لهذه الصدمات ، لهذه الخامات الحميمة . لكنه يضيع في الزحام ويأخذه الموج .. هذا انتباه حيّ مطلوب في الأدب ومطلوب التصاق الكتابة بالحياة التي تمشي على الأرض .      وبلقيس خالد ، المحترمة النائية بنفسها عن الصخب . تودع أشجانها وانتباهاتها بأطباق صغيرة من زجاج شفاف ، هي تستعين بالهايكو وتبحث عن قربى بدارميات الجنوب . كل المحاولات تُحْتَرم فلنحاول أي تجريب . المهم أن نتطلع إلى الحقيقة الشعرية والدلالات الأبعد مما لا نريد الانقطاع عن انتظاره .     وأنا لا أبيح سراً إذا قلت : إن قراءتي لديوان كريم "ربما يحدّق الجميع" ، أرتني كريماً في الشعر أصفى ، أكثر أناقة وأجمل من صورته عندي قبل أن أقرأه اليوم . هذا يعني أن انطباعاتنا عن الناس ليست عادلة دائماً إننا لا نراهم دائماً بوضوح. هو ديوان مُنَظّم بعناية . بقي أن أقول : الإحساسات الصغيرة ، محدودة المساحة والأفق ، لا تصنع شاعراً كبيراً .     فكروا أيها الأصدقاء بموضوع اكبر ، بمساحة أوسع . الانتباهات الجمالية والإحساسات الصغيرة تدخل في نسيج العمل الكبير والحياة حولكم هائلة المساحات والأفكار .     مجموعة صديقي علي الإمارة "لزوميات الخمسميل" تحيلني إلى ما كتب من قبل فأشعر برغبتي أن أظل هناك . لقد كان الإمارة يمتلك طاقةً تجريبية أطلّتْ في ديوانه السابق واختفت . لا اعتراض على كتابة القريض في زمن الحداثة ، ولكننا صرنا لا نستسيغُهُ لِقِدَمهِ . أفترضُ أن الإمكانات التعبيرية والقرب لأجواء الحداثة وحماسات الحركة الشعرية ، تهب الشاعر شعراً معاصراً أكثر مما يمنحه الوقار وروح المحافظة . لكني هنا أشيد بتقنية لم تُسْتَثْمر . اعني صفحات النثر تقديماً واختتاماً . شعراء كبار يمهدون الأجواء للمقاطع الغنائية ويتحدثون من بعد عن دائرتها . فعل مثل ذلك ميووش البولوني الأصل ، صاحب نوبل ، الأمريكي من بعد في ديوانه "شروق الشمس".     هذه الكتابات السردية تتولى مهمة التوجيه والكشف . بداية ذكية للإمارة لن يكون لها شأن إذا لم تكتمل ! عذراً، مجموعتك الأولى متقدمة كثيراً على هذه . بقي أن أقول له ولنفسي ولجميع الأصدقاء نحن إما أن ننتمي للفن والإنسانية والفكر الحر أو ننتمي للسوق حيث لكل بضاعة ثمن ! أما الرجرجة في الوسط فهي تلَفٌ تدريجي للنفس وللفكر والإبداع . ليس لنا إلا أن نختار ! لا أدب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram