خضير فليح الزيديإن المنظومات الثقافية للبلدان تتحرك وفق عنصري التلقي والإرسال ، ( الباث والمستقبل ضمن نطاق الفلسفة الحديثة)، بيد أن بلدان الاستثناء وبلدنا نحن من ضمنها لا تندرج تحت أية منظومة ثقافية ذات تقاليد راسخة وواضحة المعالم، تتيح دراسة الظواهر الثقافية فيه وفق آليات استطلاعات الرأي والدراسات العينية لجمهور التلقي أو للدارسين المستقلين المتابعين.
في يومنا هذا تبرز ملامح مهمة لظاهرة الثقافة الشعبية وفق انساق يقررها جمهور الثقافة وليس غيرهم، إن ظاهرة طغيان الشعر الشعبي يعبّر عن قروية مفرطة يبرز فيها ما هو شعبي مسطّح وبسيط وتقليدي، فمادته الرئيسة هي المفردة القروية المترهلة تلقى بتشنج وانفعال كاذب وبساطة وسطحية، مستغلا الحدث السياسي الطازج والانفعال الجماهيري وطقسية الحشد، لا يعير اهتماما مطلقا لعنصر التواصل والمقصود به عنصر التلقي واحترام الذائقة الجمعية لجمهور التلقي والغور في سبر الظواهر المجتمعية.في العراق أكثر من ستة آلاف شاعر شعبي، وإطلاق صفة فيلق الشعر الشعبي كفيلة بصدمة ثقافية هائلة، فكل من يمتلك الحماسة والإلقاء التراجيدي وسلة من مفردات منقرضة من التراث الشعبي اللغوي الريفي يستطيع أن يتسّيد الساحة الشعرية المنبرية، المنبر الشعري هو الفضاء الذي يتم تداول قصائده المنبرية وجمهورها من الشعراء المنتظرين دورهم في الممارسة الشعرية.لا احد يستطيع إنكار ما أحدثته القصيدة الشعبية على مراحل تطورها، فتاريخ الشعر الشعبي حافل بمنجز قل نظيره يناهز القصيدة المحكية في مصر، ولا احد ينكر فكرة التحديث الذي تبنته قصيدة مظفر النواب بكل مساحتها الجماهيرية المحلية والعربية، استطاعت القصيدة النوابية إحداث ثورة حقيقية ، وكان سعيها الدؤوب لنحت ثقافة ثورية تليق بثقافة تلك الفترة، إذ عملت على رفع إحساس جمهورها والارتقاء بثقافته.وفي المقارنة بين قصيدتين شعبيتين، الأولى تنتمي لفترة السبعينات أو دونها وأخرى من سلة شعرية معاصرة، قطعا ستكون النتيجة من صالح القصيدة الأقدم صورة شعرية وفنية وتهذيبا. تتقدم ميديا خطرة في الترويج للقصيدة الشعبية اليومية، أما فرسانها فقد تسيدوا على القنوات الفضائيات والإذاعات عبر أشواط شعرية شعبية ودرامية وأحاديث شعرية، وكأن هذه الحقبة هي حقبة القصيدة الشعبية.نحن اشد حاجة اليوم إلى مراجعة وتفحّص دقيق من خلال مؤسسات مستقلة، تطرح أفكارها ورؤاها في كيفية تنقية المسار الشعري الشعبي، أو صياغة بيانات شعرية لتصحيح المسار الشعري، فهناك أكثر من تجمع وتيار وجمعية واتحاد ينظم لها شعراء القصيدة الشعبية، أجد أن من واجب منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالثقافة بشكل عام ، وحتى وزارة الثقافة ومؤسساتها وبيوتها الثقافية من إدراك تدهور القصيدة الشعبية وتحديد شعرائها.
الشعبي والنخبوي في الشعر
نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:13 م