اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ملفّ "الهوية الوطنية في مهبّ الهويات الصغرى" .. حتى لا تنتحر الحضارة

ملفّ "الهوية الوطنية في مهبّ الهويات الصغرى" .. حتى لا تنتحر الحضارة

نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:19 م

نادية الآلوسيتقع على عاتق المثقف العراقي الحرّ مسؤولية كبيرة لأن عليه مخاطبة الجمهور بطريقة تفكّ عنه القيود المكبّلة لفكره وتساعده على التحرر من ضغوط العشيرة والطائفة. وحتى يعود طريق الحرير يمر عبر بغداد مزهراً بالثراء المعرفي والرخاء ليحمل خطى العراقيين إلى أرض المستقبل .
لم نكد نفيق من صدمة الاجتياح العسكري الأميركي للعراق الذي أسقط واحدة من أعتى الدكتاتوريات في العالم المعاصر، حتى وجدنا أنفسنا وسط مشهد ملتبس الخطوط حافل بصور مشوشة معالمها طغى القاتم من ألوانها على المشرق والمبهج منها .   لقد تناول العراقيون جرعة الحرية دفعة واحدة بعد حرمان طويل وما تحقق نتيجة التحول المرتبك نحو النظام الديمقراطي سبب صدمة أخرى لا قل في حجمها عن صدمة التحرر من الدكتاتورية . وليست الصدمة في أن ما تحقق لم يكن بمستوى طموح العراقيين ، فذلك مفهوم لكون الديمقراطية عملية تراكمية تحتاج  إلى زمن وممارسة لتنمو وترسخ ، لكنها في الفوضى وحجم الخراب الذي اجتاح معظم مدن العراق ولم يكن متوقعا ، وتمثل في عدة أوجه أشدها خطورة الانقسامات الإثنية والمذهبية وتشتت الهوية العراقية إلى هويات فرعية ، ولم يعد الانتماء إلى الوطن يوازي في أهميته وثقله  الانتماء إلى القومية أو العشيرة أو الطائفة .   إن سرعة تفتت هوية الأمة العراقية الكبرى إلى هويات فرعية صغرى إثنية وطائفية تقابل مقدار الكبت والقهر الذي عاناه الشعب العراقي طوال ما يزيد على أربعة عقود من الاستبداد والتسلط من قبل أنظمة حاكمة مختلفة . فالنظم الاستبدادية  في العراق بمساعدة السلطة الدينية خلقت على مدى تلك العقود جيلا مغيب العقل والإرادة لا يرى مرغما إلا ما تراه هاتان السلطتان.  وسواء كان التفتّت الذي أصاب الهوية العراقية الكبرى بفعل عوامل خارجية أم داخلية، بنوايا مبيتة أم فرضتها الهزة الكبيرة التي ضربت المجتمع العراقي بعد تحرره ، فهو مشروع سياسي دائم ولا شأن له بالمشروع الثقافي للمجتمع. فالأمة العراقية طالما كانت وحدة متماسكة فريدة ومتميزة لكونها ضمت تحت جناحيها تنوعا بشريا وثقافيا جميلا وخلاقا صنع في ماضيه حضارة أصيلة نشأت في ميزوبوتاميا، بين النهرين، وانفتحت إلى العالم متفاعلة مع الحضارات الأخرى ومؤثرة فيها . وهناك تمازج لغوي بين العراقيين دون أن يعني انتماؤهم إلى قومية واحدة ودوما كانت الوسطية الدينية هي نهجهم ، والتناغم في الطبائع يدل على أن حضارة العراق قائمة على أسس ثقافية غير شوفينية ، ولم تفلح الاجتياحات الثقافية على مر العصور في التأثير الفاعل سلبا على هذه الخصائص المميزة.  لكن الأنظمة الحاكمة والأيديولوجيات السياسية والدينية تدخلت في تحديد هوية المجتمع ، وكانت حتمية سيادة القومية العربية التي همشت القوميات الأخرى وساندت أيديولوجية دينية على حساب ايدولوجيا مغايرة ، ثم قسر الأفراد على أن يذوبوا في كيان واحد تحت مسمى الهوية الوطنية أسبابا مباشرة في تدمير الذات الفردية وبحث الفرد عن هوية له بديلة . فالفرد مسلوب الإرادة والذي لا يقيم على أساس ثقافته وعلمه وإبداعه تضعف شخصيته ويفقد إحساسه بقيمة عقله ويتملكه هاجس الخوف وسط مجتمعه فيندفع إلى عشيرته أو طائفته باحثا عن القوة التي تحمي ضعفه . لكن الانتماء للعشيرة أو الطائفة لهذه الأسباب زاد الفرد ضعفاً وتغييباً لعقله بسبب الضغوط التي يتعرض لها لكي لا يتميز خارجهما.والإنسان بمجرد انخراطه في الجمهور بهذه الطريقة يهبط إلى درجة أدنى وتتلاشى شخصيته وتمتص الجماعة نشاطه الفكري ويتحول إلى فرد غريزي وربما همجي وتصبح تصرفاته عفوية وأحيانا عدائية.وساهمت الحرية المكتسبة بعد إسقاط النظام الدكتاتوري في إطلاق كل ذلك وساهم في تغذيته إفلاس الأحزاب السياسية كثيرة العدد وخلوها من أفكار مستقبلية لبناء الدولة العراقية المدنية، فتعكزت الأحزاب القومية على الهوية القومية والدينية على الهوية المذهبية.لقيت هذه الأحزاب استجابة واسعة ضمنت لها النجاح في الانتخابات لأن الاستعداد لدى الأفراد كان قائماً، وصار أقوى لأنه حقق لكثير من المؤيدين مكاسب مادية كبيرة لن يتم التخلي عنها بسهولة .    لكن الدولة المدنية لكي تقوم وتقوى تحتاج إلى مجتمع سليم يتمتع الفرد فيه بشخصية قوية وعقل مستنير قادر على التفكير والخلق ، لأن العقل هو الذي يشكل الهوية الحقيقية للفرد واستمرار تغييب العقل بهذه الصورة يعني أن حضارتنا تنتحر. وعلى عاتق المثقف العراقي الحر تقع مسؤولية كبيرة ومعركته شرسة. لأن عليه مخاطبة الجمهور بطريقة تفك عنه القيود المكبلة لفكره ويساعده على التحرر من ضغوط العشيرة والطائفة التي لا تريد تحريره لأنها تقوى به.    ويجب أن يكون المثقف هو المبادر الأول بأية طريقة ولا ينتظر المبادرة من أحد، لكن بالممارسة وليس بالخطاب الموجه فقط. الاندماج مع الناس، توظيف الدراما بشكل يعيد الشخصية العراقية الأصيلة، تجنب المجاملات في مناسبات ثقافية تكرس أبعاداً طائفية وإثنية. الفنان المسرحي جندي مهم في هذه المعركة الصعبة، فمسرح الشارع يمكن أن يوظف بصبر ليجذب اهتمام العامة، الموسيقى العراقية الأ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram