TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: هل من مبارز؟

قرطاس: هل من مبارز؟

نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:20 م

 أحمد عبد الحسينراودني حلمُ أن أكون رساماً منذ أن قال السيّد رئيس الوزراء قبل أيام مقولته الآتية:"الصدر الذي هو مدرسة للفكر التي نشأنا وتسلحنا بها في وقت كانت التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية واستطعنا بفكره تهديم كل هذه الأفكار الغريبة، وأضاف: سنهدم الحداثوية بفكره".
كنتُ في طفولتي البعيدة أحلم أن أكون رساماً لكنّ الكتابة أخذتني بعيداً وها أنا أستعيد حلمي بفضل مقولة دولة رئيس الوزراء. فأنا أحلم منذ أيام برسم لوحةٍ ذات بعد أسطوريّ، لو كنت رساماً لرسمتها وأسميتها "قاتل التنين". لكني للأسف لست رساماً ولا أزاحم أهل الفنّ على اختصاصهم، كما يزاحم آخرون أهل الفكر والفلسفة على اختصاصهم، ولذا قررت عرض فكرة اللوحة أمام الملأ عسى أن تجد لها موهبة تستطيع تنفيذها على الورق أو الكانفاس بالحبر أو بالفحم، بالألوان الزيتية أو الأكليريك.اللوحة يظهر فيها تنين بأربعة رؤوس، ثلاثة من الرؤوس مقطوعة وملقاة على الأرض، والرأس الرابع ما زال وحيداً يصارع به التنين للبقاء على قيد الحياة، وبجوار التنين المدحور الذي يكاد يسقط، يظهر فارس فارع القامة وفي يده سيف يقطر دماً، ولكي تكتمل الغرائبية فإن الفارس يلبس نظارتين.الرؤوس الثلاثة الملقاة على التراب ويسيل منها الدم مكتوب على كلّ منها كلمة واحدة، فعلى الرأس الأول مكتوب كلمة "إلحاد" وعلى الثاني مكتوب "علمانية" وعلى الثالث "ماركسيّة"، بينما الرأس الرابع الذي مازال لم يقطعْ بعدُ فمكتوب عليه بالخطّ الكوفيّ "حداثة".يمكن للرسام أن يستبدل هذه الكلمات بترجمتها الإنكليزية فقط، كما يمكن له أن يورد الكلمتين العربية والإنكليزية معاً.الفارس ذو السيف الذي يقطر دماً يلبس ملابس عربية دلالة على الأصالة، مع أننا يمكن أن نلبسه ثياباً رومانية مثلاً لبثّ حمولة تأريخية أسطورية في العمل الفنيّ، لكنّ شرط النظارتين ضروريّ، للتغريب كما قلنا، ولينشغل نقاد الفنّ بعدنا بالكلام عن عبقرية الربط بين الأسطوريّ واليوميّ.خلفية اللوحة حائط أسود عليه صور تمثل مشاهد من تأريخ العراق، وشعارات ولافتات وكتابات بخط اليد من قبيل "الشيوعية كفر وإلحاد"، "جئنا لنبقى"، " جئنا بقطار أمريكيّ"، "ما ننطيها" "، وكلمات عبثية مثل "حطمنا الإلحاد والماركسية والعلمانية"، "اتركني مخطوبة"، "سنحطم الحداثة"، "احترم تحترم" ، القانون فوق الجميع"، "أمة عربية واحدة"، "الياخذ أمي يصير عمي" وسواها من الكلمات التي لا معنى لها لكنها عضوية ومهمة لإيضاح الجوّ العبثيّ الذي تدور فيه أحداث ملحمة "القضاء على التنين".يمكن للفنان استخدام تقنية الكولاج في العمل، ليلصق قصاصات من جرائد قديمة وجديدة، نصف صفحة من جريدة "الثورة" تمجّد الرئيس محطم الإمبريالية والذي هزّ اسمه أمريكا، وربع صفحة من جريدة رسمية صدرت قبل يومين تشيد بمناقب الزعيم الذي حطّم أصنام الإلحاد والماركسية والعلمانية ويتهيأ لتدمير الحداثة التي هي رجس من عمل الشيطان.لوحة كهذه ستكون أعظم من غورنيكا بيكاسو، وسيكون لها أن تكون شاهداً مكثفاً ومختصراً لتأريخ العراق الحديث، فيا أيها الفنانون التشكيليون ... هل من مبارز؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram