د. جليل العطيةالدكتور مصطفى جواد اسم وأي اسم ! كان موسوعة متنقلة ، به تلهج (البندنجين )،( مندلي ) ، وبه زها العراق والعراقيون كل العراقيين وهو تاج بغداد التي بها رأى النور وعاش أمجادها وتاريخها . ومنذ رحيله المفجع في 1969 صدرت عنه العشرات من الكتب والرسائل الجامعية ، لعل أقدمها كتاب الأستاذ سالم عبود الآلوسي – المؤرخ والموثق المعروف .
وأحدثها كتاب الفقيد عبد الزهرة هامل غياض ( ت 2004 م ) شهيد لعنة الكهرباء ( بيت الحكمة – بغداد – 2011 ) . لا أذكر أني زرت مكتبة استشراقية عالمية إلا وكان الرجاء استكمال ما لديها من آثاره العلمية ! الكرسي الذي كان يتخذه مكتبا لدراسة المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بباريس أثناء كينونته – بتعبيره – في عاصمة روسو وهوغو ، ذلك الكرسي أبقته ادارة المكتبة خالياً سنوات احتراماً وإجلالاً كما أخبرني ( رينيه خوام ) – المستشرق الفرنسي ، الحلبي الاصل ، ومترجم العديد من المخطوطات العربية الى اللغة الفرنسية . وبفضل " الجواد " نلت ( عُلبة نستلة فرنسية ) لا يزال طعمها في فمي على الرغم من مرور عشرين عاماً على ذلك الحدث التاريخي ! تفصيل ذلك أنني أعرت مستعربةً شابة من مدينة " ليون " الفرنسية نسختي من كتاب الفتوة لابن المعمار البغدادي الحنبلي – المطبوع في مطبعة شفيق ببغداد – 1958 م – ذلك الكتاب الذي حققه " الجواد " ، ولا تعنينا الاسماء الاخرى المثبتة على غلافه!هنا أفتح قوساً لأعترف بأنني اقتنيت ذلك الكتاب المخيف بخمسين فلساً ( فقط ) من إحدى العربات التي كانت تجوب شارع المتنبي سنة 1961 !! وقبل ان يشطح قلمي ليزيد ألمي أذكر أن كل من وضع كتاباً يتناول " الجواد " وآثاره اشار الى عنوان مخطوط له لم ير النور هو : اشعار النفوس بخلل تاج العروس في طبعة " الكويت " المحروس . ولهذا المخطوط " الجوادي " حكاية : تاج العروس من جوهر القاموس ، موسوعة لغوية فذَة ألَفها : الزبيدي – بفتح الزاء ابو الفيض محمد مرتضى بن محمد ( ت 1205 هـ ) وفي أواسط سنوات الخمسين من القرن العشرين الميلادي قررت وزارة الإعلام الكويتية نشر هذا القاموس الفذَ في أجزاء ، فوزعت مخطوطاته على ثلة من أبرز المحققين العرب وانتدبت المحقق اللامع ( عبد الستار أحمد فراج ) لإدارة هذا المشروع اللغوي – والتنسيق بين هؤلاء الذين نذكر منهم الاساتذة والشيوخ : عبد الكريم العزباوي ، وعبد السلام محمد هارون ، عبد العزير مطر ، محمود محمد الطناحي ، عبد الفتاح الحلو ، وعبد الله العلايلي كان العلامة مصطفى جواد قد تلَقى الجزء الخاص به فماذا اكتشف ؟ أخطاء لدى المؤلف نفسه ، وأخطاء في جزء مطبوع أرسلته له وزارة الاعلام . هكذا الَف الجواد مخطوط كتابه الذي لا يزال ينتظر من يظهره للناس بعنوانه السجعي الطريف : أشعار النفوس بخلل " تاج العروس " في طبعة الكويت المحروس وكان من الطبيعي ان اُعنى باقتناء أجزاء ( تاج العروس ) الذي كان يظهر شهرياً أو كل شهرين ولم يتم انجاز طبعه إلا سنة 2006 م ان لم تخني الذاكرة وشارك في رفدي بأجزاء من هذا القاموس العظيم عدد من كبار مبدعي الجار الجنوبي – اذكر منهم بكل محبة الشاعر الراحل أحمد مشاري العدواني والاديب المجمعي الراحل عبد الرزاق البصير والمؤرخ الاديب د . سليمان العسكري – رئيس تحرير مجلة العربي و د . محمد الرميحي عالم الاجتماع والكاتب المعروف . وذات يوم وأثناء اشتداد الحرب العراقية – الإيرانية التي التهمت الزرع والضرع .. الخ اتصلت بنا من بغداد زوجة صديق عزيز راجية – ام محمد – زوجتي اقتناء طرحة لبنت لها تستعد لفرح عمرها .. هذه الطرحة – بتعبير اخواننا المصريين – تسمَى تاج العروس تتألق على رؤوس عرائس بغداد . كانت فنادق العاصمة تشهد أعراساً محجَلة ، تنقلها بعض الفضائيات ، لتظهر أن كل شيء هادئ من الجبهة وبصورة طبيعية على الرغم من الغليان والغثيان ! " ام محمد " اعلنت الانذار ( ج ) لتدخل البهجة في قلب بنت صديقتها العروس التي تحلم بتاج باريسي ، تشمخ به على قريناتها ، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال ! فجولاتها المكوكية في أسواق الشانزليه وساحة الاوبرا وفيلزي دو ، وسواها لم تسفر عن نتيجة . وسبب ذلك أن بنات باريس هجرن " التاج " وعددنه من الماضي التقليدي ، لهذا لم يعد يصنع ولا يستورد ! هذا الامر أحرج زوجتي أمام صديقتها التي تواصل الاتصال الهاتفي من بغداد دون كلل .. نسيتُ الموضوع .. وذات مساء عدت الى بيتي في - rue de crimee وكلمة crimee تعني القرم – نسبة الى حرب القرم الشهيرة ( وعلى فكرة كانت تصل اليََ رسائل من جهات ثقافية وعلمية مغربية توشح بعبارة . نهج الكريمي ! والنهج يعني الشارع وشارع crimee من اطول شوارع باريس ويقع في الدائرة التاسعة عشرة. قلت
ثرثرة باريسية : تاج العروس
نشر في: 15 إبريل, 2012: 09:02 م