هاشم العقابيفرحتنا الاكبر بالربيع العربي كانت باسبابه وليست فقط بنتائجه المتمثلة باسقاط الطغاة. فالعرب ولأول مرة في تاريخهم الحديث، وربما القديم ايضا، ينتفضون من اجل الانسان كإنسان. صارت الملايين تتظاهر من اجل بائع خضار، كما حدث بتونس، او من اجل امرأة اعتدت عليها الشرطة، كما حدث بمصر. انها المرة الاولى التي يخرج فيها العربي محتجا لا من اجل الافكار والعقائد بل من اجل الانسان كقيمة عليا اثمن من الارض والعقيدة والوطن. وما قيمة وطن لا قيمة للإنسان فيه؟
هذا التبدل النوعي في ذهنية الشعوب العربية هو الذي ارعب الطغاة وافقدهم توازنهم حتى وان لم يسقطوا بعد. ولهذا السبب، قبل غيره، لا يرتاح الطاغية ولا يهدأ له بال الى ان يتأكد بان الناس تخلت عن هذا الحس الجديد او نسته. ولكي يطمئن الطاغية على موقعه يعمد الى اساليب ظاهرية، ومخفية احيانا، لجس نبض الناس كي يتأكد من ارتفاع او انخفاض مستوى "حساسيتهم" الجديدة تجاه اخيهم المواطن. ولانه ليس "غشيما" يختار الدكتاتور لاختباره بالونات يستهدف بها نوعا خاصا من المواطنين، يرتبط اسمهم، بشكل او آخر، بركيزة من ركائز الديمقراطية، كحق التظاهر والانتخابات وفصل السلطات. ولعل ما حدث لهادي المهدي، من اعتقال هو ومجموعة تشاطره التوجه نفسه ومن ثم تصفيته، مثال حي يؤكد ما ذهبت اليه. فالشهيد المهدي قد اقترن اسمه بالتظاهرات الاحتجاجية، او بانطلاقة الربيع العراقي بتعبير ادق. يؤسفني القول بان الحكومة نجحت باختبارها اذ لم يخرج الشعب "ليقلب" الدنيا من اجله مثلما فعل التوانسة والمصريون وغيرهم. قطعا ارتاح اصحاب السلطة وتنفسوا بفرح لان الاختبار عاد عليهم "بالنفع". ثم اتبعته باختبارات أخرى كي يزداد قلبها اطمئنانا. فلقد استمرت وبشكل دؤوب نحو تكريس مبادئ التسلط والدكتاتورية بقرارات وممارسات بدأت بافراغ الهيئات المستقلة من استقلاليتها، وبالالتفاف على منظمات المجتمع المدني لتضعها تحت "ابطها" كما حدث مع نقابة الصحفيين كواحد من امثلة أخرى.لا ينكر ان هناك مقاومة تقودها كتل واحزاب سياسية، ولو انها نادرة جدا، ومؤسسات صحفية وشخصيات من النخب الثقافية والاعلامية، ضد نزوع السلطة نحو الدكتاتورية وسعيها نحو خلق حاكم واحد لا شريك له. لكنها ستظل معركة غير متكافئة ما لم تساندها احتجاجات شعبية تعود من جديد لتبدد الوحشة التي لفت ساحة التحرير. المعركة ليست غير متكافئة، حسب، بل وغير عادلة ايضا، لان السلطة قد حصرت كل اجهزتها التنفيذية (الامنية والبوليسية والعسكرية والمخابراتية والاستخباراتية) بيد شخص واحد. لا بل واصبحت لهذا الشخص سلطة، وان كانت غير معلنة، حتى على القضاء فصار يصدر نيابة عنه اوامر القاء القبض ضد اي شخص تشم منه رائحة نبذه للطغيان أو يرتبط عمله بكل ما له صلة بممارسة الديمقراطية. أخيرها، وحتما ليس آخرها، القاء القبض على فرج الحيدري الذي يعني بشكل او بآخر الانقضاض على الانتخابات. فان كان هادي المهدي قد ارتبط اسمه بساحة التحرير، فالحيدري قد ارتبط بالانتخابات التي هي آخر ما تبقى لنا من امل في الخلاص من الدكتاتورية، وهي ايضا آخر ما بقي لنا من الديمقراطية بعد "التغيير". ما حدث للحيدري، هو إعلان رسمي عن بدء الدكتاتورية الفعلية بالعراق.
سلاما ياعراق :الإعلان رسميا عن عودة الدكتاتورية
نشر في: 15 إبريل, 2012: 09:05 م