د.سامي عبد الحميد مقدمة:يمثل المسرح ثقافة البلد بجميع حقولها – الأدب والشعر والموسيقى والفن التشكيلي والعمارة والعلوم الإنسانية وحتى العلوم الصرفة.وعندما ينهض المسرح ويتقدم في هذا البلد فمعناه أن ثقافته بأجمعها قد نهضت وتقدمت وأصبح مدعاة لفخر أبنائه.وعندما تتزايد أعداد مرتادي المسارح ، عدا جمهور المسرح التجاري فهم كثير في كل الأحوال ،
وعندما يؤسس المسرح تقاليد راسخة تتوازن فيها عروض المسرح طيلة الموسم عند ذاك يتبلور جمهور متذوق يتزايد عدد أفراده يوماً بعد يوم ويحدث التوازن بين جمهور المسرح التجاري وجمهور المسرح الأصل أو مسرح الدولة. ولعل ابرز التقاليد المسرحية ما يأتي : -1. اعتماد أسلوب الريبتوار في مسارح الدولة.2. اعتماد البرنامج المنوع من المسرحيات المحلية والعالمية.3. إحياء التراث المسرحي وبالأخص نتاجات المؤلفين الأوائل.4. التزام بالطقس المسرحي واحترام سلوك الحضور.5. العمل على جعل المسرح ضرورة حياتية. المسرح في العراق قبل 2003 يعتقد البعض وخصوصاً من اغترب من المسرحيين العراقيين بسبب الظروف القاهرة بأن الفن المسرحي في العراق قد تراجع أيام النظام السابق وانه أصبح مطيعة للسلطة ولكن الحقيقة غير ذلك وهناك دلائل كثيرة على هذا القول. صحيح أن السلطة آن ذاك تريد أن تجر المسرح وكل أوجه الثقافة لصالحها وتخضعه لمبادئها ليروج لتوجهاتها. صحيح أن البعض من المسرحيين اخطر لمجاراتها لا إيماناً بها ولا تزلفاً لها بل درءاً للمخاطر التي قد يواجهونها أو بسبب المحاذير التي كانوا يفكرون بها. ولكن الأكثر صحة هو أن العديد من المسرحيات التي قدمت في ذلك الزمن الصعب كانت تغلق من سوط الرقابة وتتحدى السلطة وتتعرض بالنقد ولو بصورة غير مباشرة لتوجهاتها وخصوصاً بما يتعلق بالتسلط والقهر والدخول في حروب مدمرة. كما أن مسرحيات أخرى قد نددت بالتنكر للقيم النبيلة التي سار عليها أبناء الشعب وإحلال قيم أخرى يشوبها النفاق ويكفي أن نذكر عدداً من الأمثلة على ما نقول مسرحيات مثل (النهضة) و(الكفالة) و (الجنة تفتح أبوابها متأخرة) و (طقوس النوم والدم) و (هذيان الذاكرة) و (ملك زمانه) تشهد . وهناك مسرحيات أخرى كثيرة عاشت الواقع المر الذي عاشه شعبنا ومسرحيات أخرى تنبأت بأحداث قادمة مثل (ثورة الزنج) و (انهض أيها القرمطي جاء يومك) و (فضيحة الدجاج الأميركي) والأكثر صحة هو أن مهرجان بغداد للمسرح العربي كان من انجح المهرجانات العربية بوقتها. وان المسرح العراقي حقق شهرة وسمعة طيبة في الأوساط العربية وأصبح منافسا خطيراً للمسارح العربية المتقدمة مثل المسرح التونسي . إن المسرح العراقي حقق انتصارات لامعة في المهرجانات المسرحية العربية وحصل على جوائز عديدة .لقد استضاف المسرح العراقي عدداً من الفرق المسرحية العربية والأجنبية نذكر فيها فرقة عادل إمام المصرية وفرقة محمد صبحي وفرقة مسرح الرور الالمانية وفرقة من فرنسا قدمت مسرحية (الخنساء).وفي تلك المرحلة المظلمة أبدع العديد من المؤلفين المسرحيين ومن مخرجيها وممثليها وحتى من المصممين لها ومن المؤلفين نذكر بالأخص (جليل القيسي) و (فلاح شاكر) ومن المخرجين نذكر بالأخص (فاضل خليل) و (صلاح القصب) ومن الممثلين نذكر (فيصل جواد) و (سهير إياد) ومن المصممين نذكر (كاظم حيدر ونجم حيدر) وبالطبع هناك عدد كبير غير ما ذكرت من المبدعين البارزين .بالمقابل فقد واجهت المسرح العراقي في تلك المرحلة انتقادات نذكر فيها :1. إلغاء إجازات الفرق الأهلية عام 1963.2. تأسيس فرق خاصة بالحزب الحاكم تبشر لسياسته.3. اتساع رقعة المسرح التجاري وتدني مستويات عروضه ودخول عناصر غريبة إلى الوسط المسرحي . ودخول مستثمرين من خارج الوسط الفني مما أدى إلى تشويه ذائقة الجمهور.4. تقلص نشاطات الفرق الخاصة في السنوات الأخيرة بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها ومنها نشاطات فرق المسرح الفني الحديث والمسرح الشعبي ومسرح اليوم. لقد اختل التوازن بين ممثل المسرح التجاري وأثره في جذب جمهور واسع وممثل المسرح الأصيل وضعف أثره في جذب الجمهور ما أدى إلى تصاعد الأحداث بضرورة الحد من نشاط المسرح التجاري وتقلصه ولكن العكس هذا الذي حدث وتصاعدت الأصوات بضرورة إسناد المسرح الأصيل مادياً ومعنوياً مما اجبر السلطة على تأسيس (لجنة المسرح العراقي) لإسكات تلك الأصوات: الابتكارات الكثيرة التي حققها المسرحيون العراقيون في تلك المرحلة وفي ظروف القهر والتعصب والانغلاق والحزب (البيت والسائق) و (وأثره النجم البغدادي) وهل ننسى (الجوفه) التي منعت. وهل ننسى (ثورة الزنج) التي كانت على وشك منعها وهل ننسى ( ) و (جبران) وليف برناردا العام و (ملحمة كلكامش) و (اللجمة) و (رسالة الطير) و (ألف رحلة ورحلة) و (عطيل في المطبخ) وغيرها كثر.rnوضع المسرح بعد 2003مر المسرح العراقي بدورات من النهضة والكبوة .ينهض في مرحلة من مراحل الزمن حتى تأتيه صفعة أو صفعات لتطرحه جانباً ليبدأ ببناء نفسه من جديد ، فعندما نهض بداية الخمسينيات من القرن الماضي وحتى نهايتها حين جاءت صفعة 8 شباط المشؤومة ومرة أخرى قام على أقدامه أواسط الستينات ويرتفع بناؤه في السبعينيات وصولاً إلى بداية الثمانينات لتأتيه صفعات الحر
واقع المسرح في العراق وآفاق المستقبل
نشر في: 16 إبريل, 2012: 07:22 م