أحمد عبد الحسين كنت أفتش عن رئيس وزراء في العالم يمكن أن نشبّه فترة حكمه بالعهد المالكيّ في العراق فلم أجدْ إلى أن قيّض الله جلّ وعلا لي السيّد النائب الشاعر علي الشلاه الذي قارن أمس بين السيّد المالكي ورئيس وزراء إيطاليا السابق برلسكوني. فقال ما نصه "برلسكوني أصبح رئيساً في إيطاليا لأكثر من عشر سنوات فإن الأمر منوط بالشعب".
الشلاه كان يريد تسويق فكرة ولاية ثالثة للمالكيّ، وهي فكرة يشتغل عليها الآن حشدُ برلمانيين وإعلاميين وشيوخ عشائر وبعضٌ ممن يسمون أنفسهم محللين ستراتيجيين دُفعتْ لهم أموال طائلة لهذا الغرض، ويبدو أن الشلاه كان حائراً مثلي فلم يجدْ رئيس وزراء إشكالياً وغير متّفق عليه ويعمل في جوّ أزمات ويعتاش بدهاء على استثمار هذه الأزمات، ومع ذلك مُدّد له لفترة رئاسية مضافة، سوى برلسكوني الذي يصلح للدلالة أيضاً على سوء الإدارة وسوء الأخلاق واستثمار علاقات مشبوهة مع مافيات وعصابات مالٍ وميليشياتٍ إرهابية، وقمع خفيّ ومعلنٍ للمثقفين وترهيب لكلّ من ينتقده، وتكوين رأسمال ضخم بالسرقات، وفضائح بلا عدد، وهو من بين رؤساء وزراء العالم كان حريصاً على البقاء في الحكم بأي ثمن خوفاً من المحاكمة فالقضايا التي تنتظره وتكفي لسجنه إلى آخر حياته.طبعاً .. كلّ هذا الكلام لا يعني انطباقه على رئيس وزرائنا بالضرورة، فقد تعلمنا في دروس المنطق أن "المثال يقرّب من وجه ويبعّد من وجوه"، فإذا قارنّا رجلاً ما بالأسد فإنه لا يعني أننا نريد أن ذلك الرجل يمشي على أربع أو يصطاد فرائسه ويأكلها أو له رائحة فم كفم الأسد، لكننا نريد سطوته وشجاعته فقط.أراد الشلاه أن من حقّ المالكي أن يتمتع بولاية ثالثة، كما كان من حق برلسكوني أن يبقى ـ وهو الإشكاليّ الكبير ـ بقوّة المال وسطوة العصابات ما شاء له أن يبقى.في كتابه الرائع "عامورة، في مملكة الكامورّا" كشف الروائيّ والصحفيّ الشابّ روبيرتو سافيانو أن المافيات الإيطالية دولة لها رئيس حكومة ومستشارون «تكنوقراط» وبرلمان منتخب ووزراء لا يجمعهم سوى الفساد والدفاع المستميت عن «حقهم» في ممارسة هذا الفساد وقتل وإخافة كلّ من يتوجه لهم بانتقاد.المافيا دولة، يقول سافيانو، ويزيد: «إنها أكثر من ذلك، إنها طريقة في الحكم واستخدام السلطة»، جميع أفرادها متدينون، لكن دينهم لا يتعارض مع تجارة الهيروين، أو مع قتل الناس بدم بارد، يحضرون الكنائس أيام الآحاد، وفي الكنائس تتضمن الخطبُ عادة فتاوى بهدر دم فنانين وأدباء وصحفيين ينتقدون رموز العصابات الدينية ـ الإرهابية. الكامورا كلمة من مقطعين تعني أسياد الشارع، وبعد نشر الرواية اضطر سافيانو لمغادرة إيطاليا خائفاً، هو الآن في باريس لكنه ليس بمأمنٍ، يحرسه عشرون شخصاً وسيارتان مدرعتان، هذا مصير من يعكر المزاج المقدس لحكومة برلسكوني الفاسدة.بهذه الأساليب وأشباهها تمّ تمديد حكم برلسكوني فترة إضافية قبل أن يُقلَع قلعاً ليتلهّى بإدارة فريق كرة قدم وينتظر محاكمات كثيرة له ستطول.مرة أخرى نقول: التشبيه الذي أطلقه علي الشلاه لم يرد منه أن يطابق بين برلسكوني والمالكي، فالأمثلة ـ تذكروا ذلك جيداً ـ تقرّب من وجه وتبعّد من وجوه!
قرطاس :عن برلسكوني الممدّد له!
نشر في: 16 إبريل, 2012: 07:34 م