عالية طالبكثيرا ما نتكلم عن ضرورة تكريس دولة المؤسسات، وأن نعمل بجهد لتثبيتها وإقرارها استنادا الى الدستور والنظام الديمقراطي الذي ننادي به، ومن المعروف أن في الدولة الحديثة لا توجد مؤسسة واحدة ولا سلطة واحدة وإنما توجد هناك سلطات كل منها تمارس عملها بواسطة مؤسسة دستورية.
هناك سلطة تشريعية تتمثل بمؤسسة البرلمان، وهناك سلطة تنفيذية تمارسها كل المؤسسات التنفيذية. وهناك سلطة القضاء تمارسها المحاكم على اختلاف أنواعها . وكل سلطة من هذه السلطات تمارس اختصاصا ضمن المحددات التي رسمها الدستور، فإذا هي خرجت عن هذا الاختصاص المحدد كان خروجا غير مشروع. وبذلك لا يستطيع أحد التدخل في اختصاص أي منها لأن الدستور وزع الاختصاصات وحدد لكل مؤسسة اختصاصها وجعل المشروعية مقرونة بالاختصاص القانوني، وهذا هو جوهر فكرة دولة المؤسسات .والمؤسسات وفق هذا النظام هي ثابتة وباقية فيما الأشخاص ‏الذين يمارسون سلطة المؤسسة باسمها وفي حدود الدستور متغيرون وزائلون، اذ ان المؤسسات في الدولة الحديثة هي اجهزة الدولة للقيام بوظائفها واختصاصاتها في الاطار الذي يحدده الدستور والقانون ويعهد الى اشخاص معينين لممارسة تلك الوظائف والاختصاصات باسم المؤسسة وليس باسمهم الشخصي، واذا ما حاولنا تطبيق هذا الواقع الدستوري على مؤسساتنا اليوم سنجد اننا طبقنا الشطر الثاني من الفكرة الدستورية لكن بطريقة لا تعتمد فكرة التغيير نحو الشخص الافضل او الأكثر تميزا وإنتاجا وعطاء، بل على العكس تماما احيانا اذ تم استبدال كفاءات وخبرات جيدة مع خروج رئيس المؤسسة من عمله باشخاص اثبت الواقع التطبيقي أنهم اقل خبرة وانتاجا ممن سبقهم وان الاستبدال حصل نتيجة فكرة المحاصصة والتحزب والعلاقات الشخصية والمحسوبيات والفساد الاداري، وهذا ما يتعارض تماما مع فكرة دولة المؤسسات وبنود الدستور التي كرسته !!فهل الخلل جاء نتيجة الاسباب التي ذكرنا فقط ام انه استفحل نتيجة عدم تحقيق فكرة الشراكة الحقيقية التي تجعل المسؤول عن المؤسسة يعتقد ان الكرة التي جاءت الى ملعبه قد لا تعود ثانية وان عليه ان يحقق اقصى استفادة ممكنة من الزمن المتوافر امامه الان وبالاعتماد على من يعتقد انهم يحققون ديمومة بقائه ويمهدون السبل لتحقيق كامل الطموح الذي رسمه في ذهنه وهو ينادي بدولة المؤسسات ويعمل في ذات الوقت على تقويض أسسها بطريقة صريحة أو مستترة لكنها في كل الاحوال لا تحقق لمجتمعنا لا النماء ولا الاستقرار ولا مبدأ المساواة بأخذ الفرص ولا الانجاز الامثل والدليل حجم الفساد وسوء الخدمات وضخامة المصروفات وشحة الايرادات من الحقول غير النفطية، وبقاء واقع البنى التحتية للدولة متآكلة وغير قادرة على تفعيل مفهوم الاستخدام الامثل للانتاجية الفردية والجماعية التي بواسطتها ينهض العراق بطاقاته الخلاقة وثرواته الوفيرة .دولة المؤسسات التي نريدها عليها الا تكون متأرجحة بين رغبات السياسيين بل على مرتكزات استقرار المجتمع الذي يعرف كيف يطور مؤسساته دائما ولا يلغي خبراته ليتسبب ببطالة اصبحت مسؤولة عن اغلب الملفات السلبية التي تنخر الواقع العراقي بكل اصرار.
وقفة: دولة المؤسسات والبطالة
نشر في: 16 إبريل, 2012: 08:55 م