خضير فليح الزيديتُثير الكتب المهداة إلى الجميع حساسية الكاتب صاحب المطبوع الجديد اتجاه الأشخاص الذين يهملون الكتاب - الهدية وإحباط صاحب المنجز، بعد فترة من توزيعه المجاني لمطبوعه الجديد، الكاتب يُصدم مرة بعد مرة بعزوف البعض عن قراءة كتابه وحتى تذّكر عنوانه، متذرعين بالانشغال وعدم التفرغ أو كثرة ما يطبع ويوزع كهدايا، أو ربما يتذرعون بخضوع الكتاب إلى طابور القراءات المتراكمة التي ستنجز بتواريخ غيبية ضبابية وبعد سنين.
الكاتب (المسكين) يوزّع كتابه الجديد بين ثلة من القراء المفترضين كونهم قراء اصلاء قد أجهزوا على قراءة التراث الثقافي العالمي (حسب الادعاء)، وهم طبعا نخبة من الأدباء او المثقفين بصورة عامة وان تناقصت أعدادهم هذه الأيام، شاهدت البعض منهم في معقلهم اتحاد الأدباء أو في سوق المتنبي، كيف يتهافتون على اقتناء الكتب المهداة دون القراءة المتفحصة ؟ كيف يمتهن المؤلف مجانية التوزيع والإهداء السريع ؟ ترى مَنْ أرسى قواعد هذا التقليد في إهداء الكتاب المجاني، والذي يسيء الى محتوى الكتاب اصلا ؟ ربما وجدت البعض يهدي الكتاب مرتين الى نفس الشخص، دون أن يعلم بذلك، وهو دائخ بنشوة المطبوع وحالم انه سيحطم كل حواجز الإهمال والهامشية في طباعته لمنجزه الجديد، يذيله الى فلان المبدع ... مع التقدير.إلا أن مشكلة الكتب المهداة تبدأ من خلال عدم الاهتمام المريع والمخيف من مستقبل المطبوع الثقافي، في تلك المجانية والرخص والاستسهال لتوزيع المنجز على حفنة قراء، هجروا القراءة بشكل نهائي والى الأبد، مكتفين بثقافة سمعية أو قراءة الملخصات حول الكتب المهداة. أرى إن التقليد المتوارث في قضية الاهداءات المجانية تطيح حتما بسمعة الكاتب والكتاب معا، وتلك قضية يفترض إعادة النظر فيها من خلال المؤسسات الثقافية والأشخاص على السواء، يجب أن نلتفت الى قضية في غاية الخطورة اليوم، (نحن نعيش عصر القارئ)، الاحتفاء بالقارئ لهو حتما أفضل من الاحتفاء بالكاتب، حتى قضية حفل التوقيع فهي الأخرى أسوأ من سابقتها، إن حفل التوقيع لا يتعدى الاحتفاء بالكاتب دون الكتاب بحجة عدم الاطلاع عليه. فهو يتم على عجالة تنتهي الحفلة في تواقيع لجمهرة من (الناس) ربما البعض لا يفتح الكتاب مطلقا.ولو افترضنا هنا أن الكاتب قام بتوزيع كتابه مقابل ثمن بسيط، في محاولة لجس نبض الشارع الثقافي وحساسيته إزاء الكتاب وثمنه الزهيد، أجد أن معظم المتجمهرين سوف ينفضون عن الكاتب والكتاب، تبتعد جمهرة المثقفين المفترضين عن حفل التوقيع الى غير رجعة، إذن المشكلة هنا في استسهال ومجانية الكتاب تلك التي انقلبت على سمعة الكتاب ومجد الكاتب المفترض.فيما لو فجّرنا قضية أخرى في سوق الكتاب والتداول، هي لو استخدمنا الإعلام المبالغ به من مجموعة تمتهن الترويج عن كتاب ما، يقول البعض عن الكتاب المروج زيفا (انه كتاب عظيم، جدير بالقراءة، كتاب مهم) الكتاب العظيم قد نفد من الأسواق فعلا وتلك لعبة السوق الجديدة في الترويج، او الكتابة الضدية على الكاتب وخطورة تداوله او سحبه من الاسواق، وربما سيتم استنساخه في مكتبة استنساخ متخصصة، سيكون الكتاب ذا شأن بين أوساط الكتبيين ( تداوليين او مروّجين او باعة) ، أما القارئ الحقيقي فهو وحده سيدرك اللعبة ويكشف زيفها او يصمت كعادته، بعد محاولته الاطلاع على أسرار المتن لذلك الكتاب في قضيته المفتعلة.ذلك يحدث باستمرار في الثقافة العراقية وخصوصا هذه الأيام، بعد الانفجار الذي حدث في المطبوع العراقي وإعصار الطباعة وسيلها الجارف، لا يمر يوم دون أن نجد أكثر من عنوان ممدد في سوق الكتب، فالكتاب المقروء هو ذلك الكتاب الذي يثير لغطا بين أوساط القراء سواء كان اللغط مع او ضده سلبا او إيجابا، لا يهم سوى تلك الجعجعة التي ليس بالضروري أن تنتج طحنا واضح الملامح، فالمهم هو ذلك اللغط الثقافي الذي ينحت صورة الكتاب في التداول السمعي للثقافة السائدة.أما مواضيع كشكولات وتذييلات التوقيع في صفحة الكتاب الأولى، فهي تبدأ دائما بالصديق المبدع وتنتهي بالمودة والتقدير وتلك غدت كليشة جاهزة فيها من حسن المودة والرجاء وحتى التوسل في قراءة الكتاب، الذي انزل من قدره المؤلف الذي يحاول أن يبضّع او يوزّع كتابه في مرحلة غابت فيها مؤسسات وشركات التوزيع والنشر الحكومي المدعوم .. مع التقدير.
الكتاب المُهدى إلينا..
نشر في: 17 إبريل, 2012: 06:26 م