قيس قاسم العجرشفي الطفولة كنا نمارس ألعاباً استكشافية خطرة ، منها الضغط على إحدى زوايا العين فنرى الصورة تنكسر إلى صورتين وكانت لعبة عجيبة في سن الخامسة حتى عنـّفـتنا منها الوالدة وصارت تراقبنا بالعصا كي نتوب من هذه اللعبة الخطرة.
وتعجبت قبل أيام حين رأيت برلمانياً مقدّساً من الائتلاف الحكومي يمارس هذه اللعبة (مجازاً) مع عينه التي وقعت على تقرير ديوان الرقابة الداخلية الأخير.حَوَلَ هذا الحكومي عينه عمداً حتى رأى في التقرير ما لا تراه العين الطبيعية (غير الحكومية) للوهلة الأولى. اكتشف هذا النائب الحكومي في البرلمان أن التقرير يشير الى (ضعف) لدى البنك المركزي العراقي في الرقابة على الأموال المتجهة في التحويلات الخارجية الى الخارج.يعني أن البنك مطلوب منه حكومياً ان يتساءل ويقتفي أثر المال الخارج من العراق للحد من عمليات غسيل الاموال التي تغيب المال المنهوب بالفساد.يعني أن النائب الحكومي لم ير في التقرير أهم ما تمحور حوله من فضائح عقود القمة العربية التي اثثت منازل (كبار) المسؤولين بأثاث كبير وبأموال من العيار الثقيل ، ويعني ان النائب الحكومي لم يطلع كيف ان التقرير كشف عن شراء اثاث تركي بملايين الدولارات عبر لجان سافرت الى تركيا خصيصاً لهذا الغرض في إيفادات مليونية باذخة.ويعني أيضاً أن النائب الحكومي لم يكلّف نفسه عناء السؤال لماذا كلفت سيارات القمّة 250 ألف دولار للواحدة (حسب التقرير) في حين أنها تباع في السوق المحلية بسعر 110 آلاف وعلى الزيرو وبذات المواصفات.ويعني أيضاً أن النائب الحكومي لم يسأل بالأصل لماذا تستمر العملية الجراحية المكلفة لشارع المطار (مطار الله في الأرض) على يد شركة كاب التركية منذ كانون الثاني 2011 والى غاية انعقاد القمة وما زالت مستمرة حتى بعد شهر من القمة. العين الحكومية اكتشفت "ضعف رقابة" البنك المركزي لكنها للآن لم تكتشف بالأصل من اين تتوفر الأموال لهذه التحويلات الخارجية المريبة.ويبدو من هذا أن "فلسفة الرقابة الحكومية" تنحصر في العلم بمصدر الاشياء دون التحرك لتحجيم الضرر أو منعه أياً كان مصدره، لأن التجربة علمت الحكوميين أن يساوموا على كل معلومة لديهم سواء كانت ملفاً للفساد أم ملفاً للإرهاب والتورط بالدماء .. كل شيء سيخضع للتساوم لتحقيق صمدية البقاء.مطلوب من البنك المركزي أن يحاط علماً بحدود القانون بمصدر الأموال وجهة انتقالها، لكن على الحكومة، بدلاً من محاولة الاستحواذ على البنك، أن تلتفت جزئياً الى فتق الفساد الذي صار سيلاً ربما ما زالت تتلذذ بالتخويف بملفاته .. لكن هذه اللذة ستزول حين تكتشف الحكومة أنها قد تفقأ عينها بيدها وهي تحاول ان تغمض (انتقائياً) ... هذه اللعبة خطرة .. خطرة للغاية.
تحت الضغط العالي: حين يقرأ الأحول

نشر في: 17 إبريل, 2012: 07:41 م