علي حسين عبيدالحياة حقوق مقابل واجبات، وأخذ مقابل عطاء، معادلة لا يصح إهمالها، أو عدم العمل بها، لأن النتائج معروفة مسبقا، فالحياة لن تعطي أحدا شيئا ما لم تكن لديه قدرة على تقديم المقابل، وأبسط الأدلة أن الانسان العاطل عن العمل قد لا يجد ما يسد رمقه، حتى لو لم يكن هو السبب في هذا العجز، إذن لا عطايا من دون أتعاب، يبذلها الانسان في صيغ وصور مختلفة،
منها تقديم الجهد العضلي أو الفكري أو المادي، بالنتيجة سيكون هناك نوع من التوازن بين ما تأخذه وما تعطيه، ومعادلة الاخذ والعطاء، تؤكد أن أكثر الناس فقرا وحرمانا في الحياة هم الاقل عطاءً من غيرهم، حتى لو كان الامر مفروضا عليهم، بمعنى حتى لو كانت البطالة مفروضة على الناس بسبب حكوماتهم الفاشلة، ومع ذلك لا يصح أن يبقى الانسان فاشلا بسبب الظروف المحيطة به، مهما كان نوعها أو حجمها أو مصدرها، لأن الانسان عقل وطاقة، وعليه أن يشتغل بعقله وطاقته ليعطي كي يأخذ، أي ليعمل كي يكسب.من هنا تشكلّت أيضا معادلة معروفة، هي الحقوق والواجبات، وكثيرا ما نسمع أو نقرأ شكاوى للمواطن البسيط، يقول فيها دائما عبر وسائل الاعلام المختلفة، أن حقوقه مهدورة، وهو واقع حال لا احد يستطيع إنكاره، وهذه الحقوق تتمثل بنقص الخدمات وضعف القوة الشرائية وقلة التعليم والصحة، وغياب أو ضعف الضمان الاجتماعي والصحي وغيرها من الحقوق الضائعة فعلا، ناهيك عن انتهاك الحريات وما شابه، ضعف او فقدان هذه الحقوق يعود الى فشل الحكومات التي تعاقبت على العراقيين، فهي في الغالب حكومات فردية حزبية مصلحية قمعية مستبدة، تستميت في حماية مصالح أفرادها (الطبقة الحاكمة) والمستفيدين منها، وهم قلة قليلة، لتبقى الطبقات والشرائح الاخرى تعاني من ظاهرة هدر الحقوق المزمنة.البحث عن الاسباب يقودنا الى تحديد المسؤولية، لماذا يعاني العراقيون من ظاهرة هدر الحقوق المزمنة، هل الحكومات فقط هي السبب في ذلك؟ الجواب: كلا، هناك طرف آخر مسؤول عن ظاهرة التجاوز والجهل والحرمان والبطالة وضعف الخدمات وانتهاك الحريات وسواها، هذا المسؤول هو المواطن نفسه، وهو طرف المعادلة الأهم، وحينما يختل التوازن بين طرفي معادلة الاخذ والعطاء، ستنتعش ظاهرة إهدار الحقوق، بمعنى أوضح حين يعجز المواطن عن المطالبة بحقه لأي سبب كان، فإن النتائج ستكون معروفة سلفا.تبدو القضية إذن حالة صراع، بين المواطن والحكومة، وكلما كان المواطن أكثر قدرة وفهما لادارة هذا الصراع، كان الحق المهدور أقل، فحين يكون المواطن واعيا ستكون خسائره في هذا الجانب او سواه قليلة، وحين يكون معطاءً وفاعلا ومتحركا، يكون تأثيره كبيرا في تثبيت حقوقه وعدم السماح بالتجاوز عليها، كذلك حين يقوم بواجباته كما يجب، فإن حصوله على حقه مضمون حتما، إذ هناك دور للمواطن يتوزع بين الدفاع عن حقوقه والمطالبة بها، وبين قيامه بواجباته تجاه نفسه والآخرين ايضا، تتمثل هذه الواجبات بالاستعداد الدائم للتضحية من اجل حماية الحقوق بأنواعها المختلفة (الحقوق السياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها)، ناهيك عن واجبه العملي وشعوره بالمسؤولية في المحافظة على المال العام، ليس النقدي، وإنما المنشآت والطرق والساحات والحدائق العامة، ومظاهر النظافة وسوى ذلك من واجبات لابد للمواطن أن يعيرها الاهتمام الذي تستحقه.هنا تبدو المسؤولية مشتركة بين المواطن والمسؤول، فكلما كان المواطن أكثر شعورا بالمسؤولية واكثر استعدادا للعطاء والقيام بالواجبات، كان المسؤول الرسمي أقل تأثيرا في عملية التجاوز على حقوق الناس، لذا يحتاج العراقيون الى تنمية الشعور بالمسؤولية لديهم، ونبذ الاتكال، ورفض حالة اللامبالاة التي تسود أنشطتهم، في هذه الحالة حتى المسؤول سيكون أكثر خشية من المواطن، ناهيك عن ميله التدريجي الى تصحيح الاخطاء، ومحاولة تفضيل العمل المشترك بين الطرفين الرسمي والاهلي، وهكذا نصل الى تقاسم المسؤولية بين المواطن والمسؤول، من خلال استعداد الطرفين وتعاونهما معا، على خلق معادلة مستقرة ومتوازنة بين ثنائية الأخذ والعطاء.
معادلة الأخذ والعطاء
نشر في: 17 إبريل, 2012: 08:05 م