TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: انتحار فـي الفاو

عالم آخر: انتحار فـي الفاو

نشر في: 17 إبريل, 2012: 09:38 م

 سرمد الطائيرقم مخيف بمثابة نداء استغاثة جديد من مدينة الفاو ورد على لسان السلطات هناك: 7 رجال انتحروا خلال 6 شهور، وآخر الحالات فجر الاثنين. قائمقام المدينة يتحدث للصحافة المحلية عن "بؤس رهيب" يدفع الشباب الى الاقدام على هذه الخطوة، لكن حكاية البؤس في تلك البلدة هي واحدة من اكثر القصص اثارة على مستوى العراق.
وفي الزيارات التي اقوم بها الى ميناء "النقعة" للصيادين بين الحين والآخر، ألمح الاهالي ومعظمهم بحارة وصيادو سمك ومزارعون، ومعظمهم عاطلون عن العمل. يجلسون على مقهى فقير عند الشاطئ ويلمحون 3 اشياء تحزنهم.يلمحون اولا خط الانابيب العملاق الذي يربط حقول البصرة بمنصات التصدير في البحر، وهو يخترق مدينتهم الفقيرة دون ان ينتفعوا منه بالحد الادنى من المنافع المتاحة لغيرهم من فقراء البلد.. احدهم قال لي مرة "كل فقراء العراق يشربون الماء العذب الا نحن فقد عجزت الطبيعة والحكومة عن توفير ماء عذب لنا."وينظرون ثانيا الى حقولهم التي اعادوا زرعها بعد عام 1991، فقد دمرت جراء الحرب مع ايران في هذه الجبهة المتقدمة، ثم عاد الاهالي بآمال عريضة وغرسوا فسائل النخيل وشتلات الحناء. ولم تلبث ان تبدأ بالانتاج حتى انحسرت المياه العذبة في دجلة والفرات وبالتالي في شط العرب، وصعدت نحوهم ملوحة البحار فقتلت معظم الزرع.وثالث ما يحدق فيه اهل الفاو هو السفن والبواخر التي تمر امام بيوتهم محملة ببضائع من كل الجنسيات وتجارة رابحة لشتى الاجناس، بينما تقبع سفن اهل الفاو مركونة على شاطئ طيني خرب ومعظمها يئس من الابحار وكتبت عليه لافتة عريضة "للبيع."تسألهم: لماذا لا تبحرون للصيد وهي مهنتكم الاساسية ؟ فيأتيك الجواب بما يشبه الحديث عن تعويذة ملعونة ، واصفا التغيرات المناخية العميقة: لقد اختفى السمك من شواطئنا، كأن لعنة جعلته يختفي. بركات الماضي تتبخر. ولا نمتلك دعما يؤهلنا للإبحار الى المياه العميقة.. فلا وقود ولا قروض لتطوير السفن ولا قوانين ملاحة تحمينا.. الخ. وحين ننحرف يمينا نحو مياه الكويت او يسارا نحو مياه ايران بحثا عن الاسماك، نتحول نحن الى صيد لدوريات الجيران التي تبرحنا ضربا وتقوم باعتقالنا. في الفاو بؤس مضاعف يقود الاهالي الى الهجرة نحو مناطق البصرة الاخرى حيث تلتهمهم حرمانات من نوع آخر. اما الاهالي الذين يظلون في مدينتهم فيشربون الماء المالح بعد ان عجزت الحكومة عن بناء محطة مياه عذبة لهم. ويتفرجون على سفنهم وهي معطلة بينما تظل مدينتهم ممرا لكل سفن الدنيا وتجارتها. ويتفرجون على حلم مينائهم الكبير او العملاق والذي لم تنفذه الحكومة كما لم تسهل للمستثمرين الكبار تنفيذه.. وتركت كل الفرص تهدر بما يشبه عقوبة لتاريخ بحارة الفاو.الاهالي يتفرجون ايضا على معظم نفط العراق وهو يمر من تحت اقدامهم نحو منصات التصدير، دون ان يشموا رائحته او نعمته او يحاطوا بخطة حكومية خاصة تتعامل معهم كأهالي مدينة منكوبة. انهم يتفرجون على مزارعهم التي ماتت مرة بسبب الحرب.. وماتت ثانية بسبب سياساتنا المائية الضعيفة.ولعل قائمقام المدينة يخشى ان يستيقظ يوما فيجد الاهالي وقد نفذوا قرارا جماعيا خطيرا يوازي قرار التخلص من الحياة. ولذلك يقول انه سيرفق اسماء السبعة المنتحرين من اهل الفاو، في كتاب رسمي موجه الى الحكومة طالبا اجراءات استثنائية تساعده على مواجهة الموقف. وعليكم ان تتذكروا ان حكومته المحلية تعيد الى الخزينة كل عام جزءا كبيرا من موازنتها التي تعجز عن انفاقها ! ومشهد عودة المال او الفشل في استثماره، ليس اقسى من كل المشاهد التي يحدق فيها اهل الفاو طويلا ثم ينتحرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram