TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: من "عثمان" الى "عْزَيْزَة"

أحاديث شفوية: من "عثمان" الى "عْزَيْزَة"

نشر في: 17 إبريل, 2012: 10:06 م

 احمد المهناراحة البال عزيزة على كل انسان وعلى كل بلاد. وهي تأتي من اسباب عديدة، أهمها الشعور بالأمان، والإستقرار، والحصول على الإحترام اللازم لتحقيق التوازن النفسي والعقلي.ويمكن أن تضرب مصر مثلا على راحة البال. فهي هناك موجودة وظاهرة على وجوه الناس وحركاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم. ومصر لا تحتكر بالطبع هذه الظاهرة، فهي موجودة في كل بلد يتمتع بدرجة ما من الإستقرار. ولكننا نتخذ مصر مثلا لأنها معروفة لدينا أكثر من غيرها. وايضا لأنني اختبرتها بنفسي، وتشبعت بها وأنا قادم منها الى العراق قبل شهور.
والحقيقة أن مصر مدرسة في راحة البال. ويمكن ضرب أمثلة لا تحصى على هذه الحقيقة، ولكن دعونا نكتفي بأم كلثوم. وهي ليست مجرد مثل على راحة البال، وانما هي في ذاتها تجسيد لعبقرية راحة البال. تروح الملكية وتأتي الجمهورية، وتأتي حرب ويعقبها سلام، وتهب عاصفة ويتلوها هدوء، والسيدة خالدة، تتلقفها الأجيال جيلا بعد جيل، وتستمد منها فوق راحة البال كثافة من آيات الجمال.وعندما تسأل المصري عن أحواله، أيا كانت، يجيب: رضا. وما يمكن التيقن منه أن أهم الأسباب يكمن في  شعور الفرد هناك بأنه غير مهدد، وآمن، ومحترم.على النقيض من ذلك تجدنا نحن العراقيين. فالسخط أو عدم الرضا هو ماركة عراقية أصلية. واذكر أنني عقدت صفقة مع نفسي عندما جئت من مصر على التزام قواعد الرضا، والإستغراق في راحة البال. وقد عبأتني بذلك ثلاثة شهور من الحياة في "الدقي". أضف الى ذلك أنه ليس لدي أسباب موجبة لفض الصفقة، بل أن صحتي توجب الإلتزام بها كل الإلتزام.ولكن لم تمض على وجودي في بغداد أياما معدودات حتى شرع جن التوتر يتقافز في دواخلي. يا رجل اهدأ هذه بغداد التي لا تشبع منها، هذه بغداد التي لا تفتنك مدينة سواها، هذه هي السحر الذي لا ينفك عنك. لا فائدة. جن التوتر يسرح ويمرح. يا رجل اهدأ فأنت شايب. وأقبض على الجني بكلتا يدي، واقذفه بعيدا، وأقفل الأبواب، وأحصن الدار. ثم اذا به يتسلل كالجرذ لا أعرف من أين.ان اسباب التوتر في العراق كثيرة. وفي "هذه الآونة" هناك قائمة معروفة من الأسباب. وهي قائمة مؤلمة حقا تخرج حتى لقمان الحكيم عن طوره. ولكني اعتقد انها، على شدتها، فقط أسباب مضافة، تسهم في اطالة عمر طويل من التوتر، وتاريخ مديد من السخط.وخلاصة هذا العمر وهذا التاريخ ان الفرد في العراق يفتقد الشعور بأنه آمن على نفسه ورزقه، مسكون على الدوام بهاجس التهديد، ومعرض للإهانة في أي وقت. يعمل وكأنه يسرق. يمشي وكأنه يركض. يرتفع وكأنه ينخفض. يحب وكأنه يحارب. ينام وكأنه يموت.ونحن كذلك ليس على كيفنا وبرغبتنا. ولكنه حظنا من التاريخ، من الأمس الصانع لليوم، ومن اليوم الصانع للغد. الإزدراء نصيبنا من آل عثمان. والفوضى، بعد استراحة ملكية قصيرة، حصتنا من الجمهورية الأولى. العسكر واصلوا سيرتها في الجمهورية الثانية والثالثة. وديمقراطية "عزيزة" ورثت جمهورية الخوف. فمن أين تأتي راحة البال؟ وكيف ينجلي التوتر؟ربما "بعد فترة".. عندما ننعطف من سجن التاريخ الى صنع التاريخ!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram