عقيل عبد الحسينالبصرة.. حيث غادرها آخر الرحالة، ترك انطباعاً سيئاً في النفس. فكم كان يذكر بين السطر والسطر، وفي أثناء وصفه المدينة بأنها الرعناء، لتقلب جوها. وهي الخريبة، لكثرة ما تعرضت له من تخريب. وهي، أيضا، المدينة التي لا تغادرها العتمة، ولا يتركها الغبار، ولا ينقشع عن صدر بيوتها الملح.
أما الوجوه فهي سمراء ومتعبة ومتبدلة. ماذا سيقول عن البصرة؟ لا شي مما كان ينقله الأوائل في كتبهم، من حراكها الفلسفي والفكري والنحوي والشعري. لا شيء مما ينقله المصورون في صورهم عن حيوية النخيل، ورقرقة المياه، وانسدال الشوارع في الضوء الباهر. لا شيء.. لا شيء.. الرحالة الأخير، الذي قرر ألا يعود إلى البصرة، وألا يمر بها، وألا يقرأ كتابا عنها أو يسمع وصفا لها، وأن يطوي الفصول المخصصة لذكرها في الكتب، قرر ألا يخص البصرة بأي وصف. وبينما كان يتسلى بالكتابة عن مشاهداته فيها فيما يسير به جمله باتجاه مدينة أخرى، هجس في نفسه انه سيتلف هذه الصفحات التي ألجأته لها الضرورة والملل من طول الرحلة وطلب التسلي بالكتابة. غير انه لم يفعل لأن مشاغل أخرى شغلته ومدنا غيرها ألهته، ليترك وصف البصرة هذا مفتوحا لي – أنا القارئ – العنيد، العصي، الذي لا يثق بأوصاف الكتاب، ولا بمبالغات الرحالة، ومللهم السريع من المشاهدة، ومن اكتفائهم بظاهر المشهد دون باطنه. ثم ما الذي يمنعني، أنا قاسم عبد، من أن أتفحص البصرة بعين السينما هذه المرة، وحتما ستكون كرامة، وسيجتمع حولي المريدون، وسأصنع منهم حلقة في مسجد البصرة، وسأبين لهم أن الحاضر موصول بالماضي وليس من اختلاف إلا بالأدوات وطريقة استعمالها فـ (المابعد) موجود وهو الـ (المابعد) والعين المدربة هي التي تصل إليه. وكم كانت عين الرحالة الأخير ملولة وسوداوية حيث قالت إن البصرة خريبة وإنها متقلبة الجو وإنها خالية من أي شيء، وليس فيها من أمل.. سوف يجمع المريدون على صدق قاسم عبد ويكثرون حوله ويثقون بآلته، وينهلون منه أسرار صنعته، ليصنعوا الأفلام الوثائقية وليمروا بالبصرة من جديد، وهم من أهلها، ويهجروا مقولة الرحالة الأخير ذلك الذي لم يكن يملك غير جمل، وحملاً من الورق الثقيل، ومحبرة، وأقلام قصب، وجراباً فيه صور قديمة للبصرة كان قد اشتراها من سوق للأثريات. وسوف تعلم المريدين ميسون باججي المونتاج لينتقوا من بين لقطاتهم أكثرها دلالة وقدرة على الكلام من دون كلام، ليكون لنا في البصرة لسان.. بعد أن يدققوا جيدا بسيماها البسيطة المشرقة، وبقصة شعرها الواثقة، وبملابسها المنتقاة كلقطات جميلة متناسقة، وبارتعاشة يديها المدربتين. سيكون قاسم عبد أكثر حماسة وأشد نفوذاً بينما يشير إلى كلام ذلك الرحالة وهو يحدث ميسون باججي قائلا وبسرعته الحماسية المفعمة ذاتها: ميسون.. كاد يخدعنا كلام ذلك الرجل، كاد يخدعني، في البصرة ما يستحق الرحلة من جديد، البصرة ارض جيدة لإنبات الأفكار وتطوير صيغ الاختراع والجدل والحياة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيقيم قاسم عبد بمعاونة ميسون باججي بالتعاون مع جامعة البصرة حاليا دورة عن الفيلم الوثائقي هي الأولى من نوعها تشمل محافظات البصرة والجنوب
الرحالة الأخير.. قاسم عبد وميسون باججي

نشر في: 18 إبريل, 2012: 07:28 م