عباس الغالبيفي الوقت الذي تسير فيه السياسة النقدية باتجاه لجم جماح التضخم وانعكاساته على المنظومة السعرية، تتجه السياسة المالية في البلد إلى التوسع الإنفاقي من خلال الشق التشغيلي فضلاً عن التوسع الاستثماري الذي يتطلب هو الآخر نفقات مالية، فضلاً عن الإجراءات الحكومية الساعية إلى زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وما يترتب على ذلك من سيولة نقدية هائلة تضاف إلى الكتلة النقدية الموجودة في الأسواق المالية وما يفضي نتيجة لذلك من ارتفاع في مستويات التضخم.
والغريب في الأمر أن الجميع يتحدث في ضرورة التنسيق بين السياستين النقدية والمالية، وأهمية رسم السياسات الاقتصادية والتنموية والاستثمارية والانفاقية كذلك بضوء معيار مهم يكمن بإيجاد آليات وإجراءات للتنسيق بين هاتين السياستين، ولكن الذي يجري على ارض الواقع أن كل منهما يسير باتجاه معاكس وليس متوازٍ، ما يخلق هوّة بينهما تبرز بشكل جلي في السياسة الاقتصادية الكلية التي عادة ما تفرز سمات سلبية في اقتصاد ريعي مثل الاقتصاد العراقي يعتمد على العائدات النفطية بشكل كبير.وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة أعوام على السياسة النقدية الساعية لخفض مستويات التضخم، وقد نجحت بشكل كبير، إلا أن السياسة المالية الحكومية تمتاز بالإنفاق العالي من وسط ملازمة ظواهر سلبية كظاهرة الفساد المالي التي تعج بها مؤسسات الدولة، فضلاً عن ضعف القاعدة الإنتاجية، وهذا الاتجاه المتضاد بين السياستين لا يمكن أن يخدم العملية الاقتصادية برمتها، ما يتطلب ان يكون هنالك تنسيقاً عالي المستوى قابلا للتحديث والتغيير على وفق المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في الاسواق بين الفينة والأخرى.ولان السياسة النقدية عملت على خفض مستويات التضخم من 36% بعيد عام 2003 الى ما نسبته 2% أكثر بقليل نهاية عام 2010، فأن عودة هذه المؤشرات للارتفاع خلال النصف الثاني من عام 2011 بشكل تدريجي إلى أن وصلت حالياً الى حوالي 8 % تؤكد أن الهوة بين السياستين النقدية والمالية قد اتسعت، في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية السياسية والاقتصادية والتي ألقت بظلالها على المشهد الاقتصادي والتجاري في العراق، ما يتطلب ان تكون هنالك إجراءات حكومية عاجلة للتصدي لهذه المتغيرات، ولعل في مقدمتها العمل على إيجاد آليات للتنسيق بين هاتين السياستين مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار تقليص الإنفاق الحكومي والاتجاه الى بدائل من شأنها أن تتصدى لظاهرة ارتفاع مستوى التضخم التي كانت سائدة في الاسواق العراقية، لاسيما وان الاتجاه النقدي يسير باتجاه إعادة هيكلة العملة المحلية من خلال عملية حذف الاصفار منها.
اقتصاديات :السياستان النقدية والمالية والتنسيق!

نشر في: 18 إبريل, 2012: 07:53 م