علاء حسن لمن يشكك بالأجواء الديمقراطية السائدة في العراق ، ويعتقد بان حرية التعبير تتراجع ، خوفا من عيون الرقيب الحمر ، عليه ان يستقل اية سيارة كيا على الخطوط العاملة بين الباب الشرقي وأحياء العاصمة بغداد بجانبي الكرخ والرصافة . في ساعات الصباح الأولى وأثناء عبور السيطرات تنفتح شهية راكبي السيارة على الحديث بالسياسة ،
و رجالها واسباب الازمات وتفاقمها ، فيأخذ مديات واسعة ، لا تختلف عن آراء وتصورات المحللين السياسيين المتعاقدين بأجور يومية مع فضائيات معروفة ، تحرص على ان يكون خطابها متضمنا توجيه التهم والشتائم والتلويح باجراءات قضائية ، واصدار مذكرات القبض ، وهذا الخطاب ترسخ في ذهن العراقي فاستعاره ليكون وسيلة تعبير عن آرائه وافكاره ، فمثلا احد ركاب الكيا اقترح تنظيم تظاهرة احتجاجية تتوجه الى المنطقة المحصنة الخضراء وجعلها"سودة مصخمة" على ساكنيها باستخدام الحجارة واشياء اخرى يتعذر ذكرها هنا لانها لاتصلح للنشر ، صاحب هذا المقترح ايده اخر فرفع صوته وشغل منظومة الشتائم ، وحينما توقفت السيارة بأمر من رجل المرور ، التزم صاحب المنظومة الصمت ، واصفر وجههه ، وصاح باعلى صوته "عمي نازل ". مضت الكيا بما تبقى من "العبرية " الاخرين ، واخذ حديثهم منعطفا اخر، يتعلق بامكانية توحيد الصوت الشعبي للمطالبة بالحقوق ، وهي لا تتعدى الحصول على امبيرات مضاعفة لموسم الصيف ورفع الازبال من شوارع العاصمة ، وترك السياسيين في صراعهم الأزلي لحين اقتراب موعد اجراء الانتخابات التشريعية المقبلة ، وحينذاك سيكون صوت الناخب هو الوحيد على منح من يستحق صدارة المشهد السياسي ، صاحب هذا القول ، المعقول والواقعي قوبل باعتراض سائق الكيا ، عندما ضغط على المنبه " الهورن " فصدرت اصوات تعبر عن احتجاج مصحوب بسخرية.وقبل الوصول الى محطة النهاية اوقف رجل مرور اخر سائق الكيا وطالبه بتقديم سنويته، لان مخالفته سببت الضوضاء واثرت في سلامة البيئة، التزم الركاب الصمت ولم يتبرع احدهم بالدفاع عن السائق لانه خالف القانون وعرقل السير، وازعج المواطنين بهورن ممنوع من الاستخدام ، استمرت المفاوضات مع رجل المرور قرابة نصف ساعة ، وانتهت بتسوية يعرف تفاصيلها السائق وحده ، فشغل منظمة الشتائم بحق مجهولين في اشارة الى من كان في سيارته ، لانهم لم يدافعوا عنه ، وعجزوا عن توحيد مواقفهم لمساندته ، ومساعدته ، بالرجاء من رجل المرور بان يتفهم الحالة ويترك السائق يعمل على باب الله.في سنوات العنف والاحتقان الطائفي ، لجأ سواق الحافلات الى تعليق عبارة " يمنع الحديث بالسياسة والطائفية " والعبارة ذاتها شغلت حيزا من جدران المقاهي و المطاعم والاماكن العامة ، و هي تعبر عن الرغبة في نبذ العنف ، والجهات المصرة على استخدامه ، ولا تعني التشكيك بالاجواء الديمقراطية السائدة في العراق وقتذاك ، ومع استمرار المشاكل السياسية وعرقلة انعقاد المؤتمر الوطني لاحتواء الازمة ، ربما سيقول العراقيون وبصوت واحد موحد " عمي نازل " حفاظا على اجواء الديمقراطية .
نص ردن :أجواء ديمقراطية
نشر في: 18 إبريل, 2012: 08:22 م