بغداد / المدىبالرغم من تراجع ظاهرة استهداف الأطباء في البلاد، إلا أن تهديدات من نوع آخر ما زالت تثير قلق العاملين في القطاع الصحي، إذ يكشف اعتصام أطباء في محافظة المثنى هذا الأسبوع وإغلاقهم لعياداتهم الخاصة بعد صدور حكم قضائي بالسجن لمدة 18 شهراً ضد إحدى زميلاتهم، عن الضغوط التي يتعرضون لها.
وكان حكم قضائي قد صدر ضد الدكتورة شذى الشطب، بتهمة وفاة إحدى المريضات بسبب عملية جراحية أجرتها الطبيبة قبل نحو سنة، نسيت خلالها قطعة (شاش) في جوف المريضة ما أدى إلى انسداد أمعائها، وبالتالي التسبب في وفاتها. وبهذا الصدد يدعو الطبيب كاظم شاكر حسن من محافظة بابل في حديثه لصحيفة "إيلاف" الإلكترونية إلى ضرورة العمل بقوانين تحمي الأطباء في مثل هذه الحالات، لاسيما وأنهم غالبا ما يتلقون التهديدات من أهالي المرضى في حالة حدوث أخطاء طبية هي بكل تأكيد غير متعمدة، على حد قوله. ويشير إلى أن العديد من الأطباء يترددون اليوم في إجراء عمليات جراحية، إذا ما اكتشفوا أن المرضى من الأرياف أو المناطق ذات النفوذ العشائري في محاولة منهم لتجنب المشاكل بالقدر الممكن.لكن المواطن سعيد حسن (40 سنة) الذي كان ضحية خطأ طبي أيضاً حيث نسي أحد الاطباء (ملقطا معدنيا) صغيرا في جوفه، يؤكد أن هناك لا مبالاة اتجاه المرضى والكثير من الأخطاء الطبية التي تسبب سخط المرضى وذويهم.وعلى الرغم من أن حسن تقدم بشكوى ضد الطبيب الذي أجرى له العملية الجراحية إلا أن الأمر تمت تسويته من قبل الطبيب بالمال ولم يفلح في اخذ حقه منه.لكن الممرض سعد حسن من مستشفى كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يؤكد حدوث الكثير من الاعتداءات اللفظية والجسدية على طواقم الخفر في المستشفيات من قبل المواطنين مما يستدعي تدخل الشرطة في بعض الأحيان.الطبيب ليث شاكر يروي من جانبه، قصة هجرة اثنين من زملائه الأطباء خارج العراق عام 2010 بسبب تهديدات عشائرية، إذ اتهموا بأنهم كانوا سببا في وفاة شاب بعمر 18 سنة بسبب خطأ في التشخيص قاد إلى عملية جراحية غير ناجحة. ويضيف أن الأمر لم يصل إلى تهديد زميليه بالقتل، لكنهم أُرغموا على دفع (دية) تعادل نحو ستين ألف دولار. وكان القاضي ماجد كاظم، الناطق الرسمي باسم محكمة استئناف المثنى صرح بأن "الطبيبة شذى الشطب أدينت وفق المادة 411 من قانون العقوبات، واستناداً إلى التحقيق الإداري الصادر في 23 تشرين الأول 2011، والمتضمن نسيان مادة (الشاش) الطبي في بطن المريضة هيام سوادي صالح، الذي وجه بعقوبة الإنذار للطبيبة، وفق قانون انضباط موظفي الدولة 14 لعام 1991". وفي محاولة منها لتسوية المشكلة دفعت الطبيبة دية مقدارها 30 مليون دينار لذوي المتوفاة، للحفاظ على (كرامتها وحياتها المهنية)، على حد تعبيرها. لكن الباحث الاجتماعي رحيم الأسدي يشير إلى أن هذه الحالات تتكرر اليوم كثيراً في مدن العراق، والسبب في ذلك يعود إلى نقص الوعي القانوني وسيادة العرف العشائري.الأسدي يؤكد أن ذلك أدى إلى عزوف العديد من الأطباء عن مزاولة مهنتهم. لكنه يلفت النظر إلى الخدمات الرديئة في المستشفيات وتفشي مظاهر الفساد والرشوة، في القطاع الصحي، وكل تلك عوامل تقلل من دور المستشفيات وتحط من أهميتها في المجتمع. ويرجع الباحث الاجتماعي ما يحدث إلى الحالة النفسية القلقة للعديد من المواطنين، وتوتر أعصابهم بسبب الظروف الحياتية الصعبة لأغلبهم، لافتا إلى أن ما يحدث في المستشفيات يحدث أيضا في الدوائر الحكومية حين يؤدي سوء الفهم بين الموظف والمراجع إلى مشادات كلامية تتطور إلى اشتباكات.واُجبر الممرض احمد كامل في بابل على دفع مبلغ يعادل خمسة آلاف دولار بعد اتهامه بالإهمال في معالجة مريض أثناء تواجده في ردهة الطوارئ حيث تطور الأمر إلى مشادة بينه وبين المرافقين للطبيب ما اضطره إلى التعدي جسديا على أحدهم، وبموجب ذلك تحمل دفع دية كرد اعتبار للشخص المعتدى عليه من قبله.ويصف كامل ذلك "أنه حكم عشائري من دون وجه حق فرض عليه فرضا من قبل أطراف عشائرية". وعلى الرغم من أن الشيخ ماجد الكلابي يعد مهنة الطب مهنة إنسانية وأن احتمال الخطأ فيها ممكن جدًا إلا أنه لا يستطيع إلا الاستجابة للشكاوى التي يطرحها البعض على الأطباء. ومقابل ذلك يرفض الكلابي تهديدات البعض للأطباء كما يرفض أن تنسب التهديدات إلى العشائر حيث يعدها تهديدات شخصية. ضابط الشرطة حسين علي يؤكد حالات التهديدات للأطباء ويقول: إن الأجهزة الأمنية على أهبة الاستعداد لحماية حياة الأطباء وعوائلهم. ويلجأ البعض إلى الفصل العشائري والتعويض المالي، كأسلوب ابتزاز للطبيب لاعتقادهم أن الطبيب ذو قدرة مالية على الدفع. ويبين الطبيب علاء حسن أنه دفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار كفصل عشائري بسبب مشادة بين أحد المواطنين وأحد معاونيه، وتمت تسوية الأمر خوفا من تطوره إلى ما لا تحمد عقباه.ويعد الطبيب حاتم حسين تهديد الأطباء نوعا من أعمال الإرهاب، ويطالب الأطباء بالتظاهر لإرغام مجلس النواب على الإسراع بسن قوانين حماية الطبيب من التهديدات الإرهابية والعشائرية.
البعض يستغل الأخطاء الطبية والأعراف العشائرية لابتزاز الأطباء

نشر في: 18 إبريل, 2012: 08:23 م