حازم مبيضينليس صحيحاً على الإطلاق، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إلى جزيرة أبو موسى في الخليج العربي هي شأن داخلي، فالواضح أنها تحاول إيصال رسالتين، أولاهما داخلية، تتمثل بمحاولته المزايدة على الشعور القومي، من خلال القول بأنه يتمسك بكل شبر من الجزر العربية المحتلة، حتى لو كانت متنازعاً عليها،
وهو في ذلك يكسب صدامه مع المحافظين، والثانية خارجية، يستهدف فيها تذكير العالم بأن في يده بطاقات يمكن أن يعكر بها صفو الأمن في الإقليم، وأنه قد لا يلتزم بتعهدات سبق أن وقعت عليها طهران، فهناك سيادة مشتركة على أبو موسى، لكن نجاد يقول من خلال الزيارة، إنه لا يقيم لها أي اعتبار، مؤكداً أن بلاده تعتبر الجزر الثلاث المتحكمة بمدخل الخليج العربي أرضاً إيرانية خالصة، وهي ترفض كل دعوات الإمارات لإيجاد حل للقضية من خلال التفاوض، أو التحكيم الدولي. واذا كانت الجمهورية الإسلامية تزعم امتلاكها إرادة جدية، لتعزيز وتوثيق العلاقات مع دولة الإمارات، وتركز على ضرورة إجراء محادثات ثنائية، لحل أي سوء تفاهم ممكن، فإن الزيارة كشفت بوضوح زيف تلك المزاعم، ذلك أن طهران رفضت دائماً الدعوات العربية إلى حل للمسألة عبر المفاوضات المباشرة، أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية، في حين تشكل الزيارة انتهاكاً صارخاً لسيادة الإمارات على أراضيها، ونقضاً لكل الجهود والمحاولات التي تبذل، لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، لكنها بالتأكيد لا تغير الوقائع التاريخية والقانونية، الخاصة بسيادة دولة الإمارات العربية على جزرها الثلاث المحتلة منذ العام 1971، وهي في الوقت عينه لا تتماشى مع المساعي السلمية التي دأبت دول مجلس التعاون على الدعوة إليها، لحل قضية هذه الجزر عبر التفاوض المباشر، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.في التعاطي الراهن للجمهورية الإسلامية مع قضية الجزر الإماراتية الثلاث، التي احتلتها إيران إبان الحكم الشاهنشاهي، في خطوة توسعية، مستغلةً الفراغ الناجم عن الانسحاب البريطاني من آخر المستعمرات في المنطقة، وربما بالتآمر مع الإمبراطورية العجوز، نتبيّن حقيقة حكام إيران، وبعدهم عن الشعارات البراقة التي يصدعون بها آذاننا، ويبدو ساطعاً الحلم الإمبراطوري الذي يسعون لتحقيقه بكل الوسائل، والمثير للدهشة والغضب، أن في عالمنا العربي من يجد الجرأة على تبرير هذه الجريمة، ويرفض تسميتها بالاحتلال، أو مقارنتها بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والأنكى أن البعض يعتبرها أمراً مطلوباً، فقط لمناكفة حكام الخليج، على خلفية مذهبية تتمتع بقصر نظر مثير للشفقة، وهؤلاء في الوقت عينه، ينادون بتحرير لواء الاسكندرون السوري المحتل، ودائماً التعصب المذهبي هو الدافع والمحرك. لا نظن عاقلاً يجادل في أن الزيارة تمثل انتهاكاً لسيادة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة، كما لا نظن عاقلاً يجادل في أن الزيارة الاستفزازية لنجاد، لن تكون قادرةً على تغيير الحقائق التاريخية والقانونية، التي تثبت تبعية الجزر لدولة الإمارات، التي تشعر اليوم بخيبة الأمل من التصرف الإيراني، المتناقض والمقوض لاتفاق البلدين على حل هذا الخلاف بالمفاوضات الثنائية، وكما هو معروف فإن الإمارات سعت للتهدئة، وتوقفت تماماً عن إثارة القضية في المحافل الإقليمية والدولية، غير أن الزيارة عمقت أجواء عدم الثقة بين إيران، ودول المنظومة الخليجية بالكامل.
في الحدث: زيارة نجاد
نشر في: 18 إبريل, 2012: 09:16 م