سرمد الطائيقبل يومين صدر في امريكا كتاب بعنوان "الاسلاميون وصلوا" وهو مجموعة اوراق بحثية اعدها ونشرها معهد السلام الامريكي ومركز ودور ويلسون الدولي للابحاث، يحاول الاجابة عن اسئلة تتعلق بصعود الحركات الاسلامية وسط تحولات الربيع العربي.
ورصد الاتجاهات السياسية وتحولاتها في العالم امر شائع، فقد شهدت اوربا الشرقية تحولات خضعت لدراسة جيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات، وترك مثل هذا المنعطف آثارا حتى على بلد مثل ايران، فبواكير الاصلاحية الايرانية مع الرئيس السابق محمد خاتمي كانت لا تخفي تأثرها بأدبيات الاصلاح التي ظهرت بين حركات اليسار في اوربا الشرقية، وباتت نموذجا للفكر المتشدد الذي يواجه واقعا متغيرا وينجح في التكيف معه عبر اجراء اصلاح عميق لطريقة عمله. وحين تغيرت الكتلة الاشتراكية بعمق وتسارع احيانا، لم يجد المتشددون الايرانيون عيبا في طرح سؤال الاصلاح على انفسهم، وصرنا نسمع من اسماء كانت مساهمة في بناء نظام ولاية الفقيه بكل ملامحه القاسية، ضرورة مراجعة كل ما حصل واتخاذ قرار تاريخي بالانفتاح، وهو القرار الذي اتخذه تيار واسع في طهران لكنه تعرض الى قمع منظم معروف.وهناك اليوم اسلاميون وصلوا الى السلطة لتوهم، وخرج معظمهم من البيئات الدينية المقموعة طيلة عقود، وهم ليسوا مجرد جائعين للسلطة، بل يمثلون "عقيدة مظلومة" او "محظورة" تريد ان تمارس علانيتها ونفوذها بأوسع اشكال الحرية المتطرفة.. وهؤلاء من حاول كتاب "الاسلاميون وصلوا" معالجة مصائرهم فكريا وسياسيا.الكتاب الذي قدم عرضا مركزا له موقع "الطريق الاخضر" المقرب على المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة الايرانية ميرحسين موسوي، يقول باختصار ان هناك فرصة لجميع المراقبين كي يرصدوا ظهور "تيار اسلامي متحول" في مصر وتونس وربما سوريا ايضا، بعوامل يكون على رأسها الاقتصاد.والباحثون يسجلون التحول الاول لاكثر التيارات تشددا في الشرق الاوسط، وهو "تقبل الديمقراطية" او الانخراط فيها، بعد ان كانت لعقود "خطيئة كبيرة" في الادبيات الاسلامية. ويقولون ان الاسلاميين صاروا يتعاطون المفهوم الديمقراطي انطلاقا من كونه احد الخيارات الاكثر فعالية في مواجهة النظم المستبدة، اذ صارت المطالبة بالانفتاح السياسي والانتخابات وحرية الجمعيات السياسية وحقوق الاقليات، ظاهرة كبيرة في المنطقة ونجحت في اسقاط عدد من الانظمة.وبناء على ذلك ربما يمكن للواقع الصعب الذي اجبر الاسلاميين على الاعتراف بجزء من الديمقراطية، ان يجبرهم على تعديل الاتجاه والتكيف مع مجموعة الحقائق الكبيرة التي تواجه شعوب الشرق الاوسط. والكتاب الصادر في امريكا يعتقد ان الاسلاميين الذين سيحكمون مصر وتونس وربما سوريا، والذين نجحوا في الوصول الى السلطة باسم مطلب ديمقراطي اسقط الاستبداد، سيواجهون صعوبات في ادارة شعوبهم الفقيرة. اي ان التحدي الاقتصادي وكيفية توفير فرص عمل ومستويات معقولة من الرفاه وحل الازمات العميقة، ستحتم على الاحزاب الدينية ان تتكيف مع نظام عالمي اقتصادي حديث ومعولم، كي تستقطب استثمارات وفرصا لنقل التكنولوجيا الحديثة والخبرات الصناعية والتنموية.. وهذا معناه المزيد من الانفتاح على الغرب والتحالف معه، واعادة النظر في الادبيات التي لم تكن تقبل التعايش مع العالم الحديث، وتظل غارقة في تراث مليء بفتاوى تحرم ظواهر واسعة من الحياة المعاصرة.وهكذا فإن الفقر والفاقة قد يتيحان لنا رؤية اصلاح عميق للادبيات الدينية بأشكال عدة، وهي عملية لن تكون سريعة وسهلة، لكنها يمكن ان ترصد بوضوح خلال السنوات العشرة المقبلة.انني امر بشكل سريع على عرض هذا الكتاب، وافكر في اسلاميي العراق. فهل سيخضعون للقاعدة نفسها ويصلحون مواقفهم المتشددة في الغالب ازاء ما تتطلبه الحياة الحديثة؟ لا ادري لكن ما يقلقني هو فرق اساسي، اذ ان اسلاميي مصر وتونس خارجون من بلدان فقيرة عليها ان تتطور كي تنتج وتأكل مما تزرع وتصنع، اما اسلاميو العراق فلديهم اليوم اكبر حقول النفط في العالم، وفي وسعهم ان يبيعوا النفط ويعيشوا كيفما شاؤوا، ودون ان يقوموا بتعديل يذكر لمواقفهم، خاصة اذا زادت فلوس النفط 4 اضعاف كما نتوقع خلال العقد المقبل. وحينئذ فإن على الشرائح العراقية التي ترغب برؤية بلد بمواصفات حديثة، ان تبحث عن عامل آخر للانفتاح، غير العامل الذي قد يشتغل في مصر وتونس!
عالم آخر: تشدد إسلامي يخففه الاقتصاد
نشر في: 18 إبريل, 2012: 09:22 م