اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > حينما نقول فلسفة!

حينما نقول فلسفة!

نشر في: 21 إبريل, 2012: 12:45 م

ماجد موجدعلى الرغم من قراءتي التي أزعم أنها جيدة لأغلب الكتب التي عادة ما يُنعت كتابها أنهم فلاسفة، لكن الى الآن ما أن تطرق مسامعي لفظة فلسفة حتى استحضر صوراً عن تماثيل نصفية لفلاسفة يونانيين او إغريقيين، ذلك أن الفلسفة اصطلاحاً تحيل إلى تلك المرحلة من تاريخ البشرية ولذلك ظلت صورة استحضارها هي صور تماثيل مجترحيها الأوائل فحين اسمع لفظ فلسفة _ وربما الكثيرون مثلي_ أجد صعوبة حتى أتجاوز الأكثر شهرة منهم "أفلاطون" و"سقراط" و "أرسطو"،
 غير أن الفلسفة كما هو معروف خارج صورتها الاصطلاحية لم تعد هي كذلك، فقد امتد ظلها كثيراً وتشعب ومحيت معالمها الأولى ولعل الاصطلاح- فلسفة - الذي اجترحه وتحدث في خلاله الفلاسفة الأوائل لم يعد بالإمكان تطبيقه على مجمل الحكايات التأملية والتخييلية والميتافيزيقية.  لم يعد اليوم من الممكن التكلم عن فلسفة وإنما عن فلسفات وهذا الحشد لا يستند إلى مفهوم واحد لفلسفة بعينها، أي لا يستند إلى آلية تفكير فلسفية واحدة في موضوعات عديدة وإنما آليات تفكير عديدة لموضوع واحد، بل صار التفكير بالفلسفة وماهيتها وسبر أغوارها المتشعب، يعد ايضا فلسفة، صار البحث عن ماهية واحدة أو معنى واحد للفلسفة، هو بحد ذاته فلسفةً، صرنا نشعر بالاغتراب حين نزج الفلسفة أو نقيسها بمعناها واصطلاحها المجترح الأول.بالذهاب إلى مقولة هيجل (إن كل ما لم يكن مفهوما لم يعد كذلك)، ندرك أن معنى الفلسفة الاصطلاحي "حب الحكمة" أو البحث عن الحكمة" صار غير مجدِ، لم يعد هذا المعنى مقبولاً كآلية للبحث في الوجود الإنساني، كان ذلك منذ عصر التنوير، أي منذ حركة الحداثة التي سادت في كل مفصل من مفاصل الحياة الآدمية في نهاية القرن الثامن عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر، والتدافع الهائل باتجاه البحث لإدراك الصوت المسموع والشكل الملموس وهالة النور التي تخترق العين، إلا أن مشروع الحداثة الذي أتى على اللغة والشعر والسياسة وطبق الطعام والعلاقات الإنسانية والاجتماعية لم يكن بمنأى عن لفظ الفلسفة، ذلك الاصطلاح الغريب والمتشعب، الذي ظل رهين أي تفكير أنساني يتعمق في فهم ما حوله أو المتعمق في معرفة أي مفصل من مفاصل وجوده، حتى صار من الصعب تصنيف التفكير بين ما هو فلسفي عن غيره إذا ما استندنا إلى المعنى الأول للفلسفة.صار لكل علم فلسفته ولكل فكرة فلسفتها، بل اتخذت الفلسفة معنى قوميا ودينيا وجغرافياً، وما بين فلسفة وأخرى بون شاسع، بل ما يسمى فلسفة هنا كآلية للبحث والتقصي والتعلم لا علاقة له بما يسمى فلسفة هناك، ومن كان فيلسوفاً لأنه يمتلك أفكاراً ورؤى خاصة نجده يحتفظ بصفته على الرغم من يقينه انه على خلاف ما أفنى عمره لأجله. لا أريد هنا الذهاب بعيدا في البحث عن عوالم الفلسفات، لكن أجد انه أفضل ما يمكن البحث عنه اليوم هو كيفية التفكير بالتفكير، هذه الوصفة أطلقت يوما ما على نوع من أنواع الفلسفات، التي اعتمدها فوكو في بحوثه حين أشار إلى انه لم يعد ثمة متسع للانهماك في التفكير الفلسفي بمعناه الميتافيزيقي، فوكو الذي أطلق عليه صفة "تاريخ نظام الفكر" كان مولعا بالحقيقة الملموسة، مولعا بالانقطاع عن التاريخ بمعنى البحث فيه من اجل تجاوزه ليس أكثر من ذلك. (ثمة شيء مهول يحف العالم أعمق وأكثر سرعة من أن نجد حقيقته في درس فلسفي عمره ألفا عام)، كان يقول هذه العبارة وبالكاد يجد جوابا، لكنه متشائم من دور الفلسفة التي لا تسير في الأسواق ولا تتعرف على نفسها في منبه سيارة الإسعاف وتعكف كل مساء لتقدر جهدها في تكوين العقل الإنساني الذي يدرك ماهية عقله في كل شؤونه العابرة أو تلك التي تدعوه إلى التعمق في التفكير، يدرك أن كل شيء من عقله، وان كل تهويمات الميتافيزيقيا هي من عندياته، وكل شقائه وسعادته هو صانعها الأوحد، وليس ببعيد أن نضرب مثالا في ذلك التعس الذي يمكن أن تملأه كأس نبيذ بنشوة ، ياه كأس نبيذ يقلب التعاسة بهجة، فماذا فعلت بنا الميتافيزيقيا وماذا بقي من أوهامها؟ أقول أوهامها وأعني أنها لم تعد سوى مادة لزجة أسفل الدماغ ممكن رفعها في أي وقت، أقول ذلك وأريد أن افلت من متاهة الفلسفة مثلما حاول أن يفلت من ذلك (جيل دلوز) عندما سأله احد تلامذته عن المفهوم العميق لمعنى الحرية فقال: سأقول ما قاله شوبنهاور: (ليس من معنى عميقا وواضحا للحرية يمكن وصفه) لم يكن شوبنهاور قد قال مثل هذا الكلام، ولكن دلوز أراد بما قوّل به شوبنهاور التهرب من سؤال أعمق من أن يجيب عليه.  وفي المرة الثانية حين أعيد عليه ذات السؤال كان جواب دلوز ليس قولا بل فعل، فقد رمى نفسه من أعلى المبنى الذي كان يشرح فيه إحدى محاضراته وكانت ميتته الجواب الأجدى لمعنى الحرية العميق،  وهذه مقولة لسارتر: انه لكي ننتهي من الفلسفة لابد من وجود فلسفة، واحسب أن سارتر لم يقل مثل هذا الكلام ولكني لست على استعداد لإيقاف هذا الطوفان الفلسفي بالانتحار كما فعل دلوز العظيم، حين أراد الانتصار للمعنى الذي نسمع صريره وأنينه ونتلمس جسده ونشاهد الضوء الذي يخترق الأبصار لكنه ظل تائها في المعارف المتشعبة التي لا يمكن السيطرة عليها باصطلاح أو فكرة أو فلسفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram