اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محمود صبري: يغادرنا كما الحلم على أمل يقظة جديدة

محمود صبري: يغادرنا كما الحلم على أمل يقظة جديدة

نشر في: 21 إبريل, 2012: 12:53 م

علي النجاربعد انتهاء محاضرة محمود صبري في سبعينات القرن المضي في بغداد (اعتقدها كانت في قاعة كولبنكيان). كان حالي حال بقية الفنانين العراقيين الموجودين. تستفزني أسئلة لجوجة. لكني كتمت تساؤلاتي، او أقصيتها نهائيا، بعد أن استمعت إلى نقاشات زملائي الفنانين الاخرين. فطرح موضوعة علمية مجهرية للتجريب او الممارسة الفنية شيء لم نألفه.
 بل ولم يخطر على بال احدنا. ولم تمس كل التساؤلات جوهر أطروحته وفحواها العلمية. ونحن، وفي ذلك الزمن الذي تحوطنا الأطروحات الفنية القومية بإيحاءاتها الأثرية والعاطفية الوجدانية، وبتفاصيلها الواقعية والمتخيلة. لم يكن للعلم أي اثر يذكر في اعمالنا او حتى تصوراتنا الخيالية. إذا ما استثنينا ما يخص انطباعاتنا أو معارفنا عن نظريات الألوان وكيمياء اللون وغير ذلك من تفاصيل ثقافة المهنة الفنية العملية. لكن أن نستحضر اللامرئي من المعادلات العلمية الذرية. ومحاولة اقتحام عالمها السري الذي فقد سريته بحدود ما تثبته جداوله العلمية التي لا تنتمي لعالمنا المرئي (كما في واقعية الكم ـ مشروع المحاضرة). ولم تكن مجمل تساؤلاتنا تتعدى الخوف من فقد عالمنا الأليف الذي بنيناه بواقعيته وأوهامه. لكن ثمة جدارا صد أحكم رتاجه محمود صبري أمام كل ما بدر من تساؤلنا. ليس بنية الإغفال. بل بمرجعية معلوماته العلمية وصلابة قاعدتها. ولا افتراضات بالنسبة له غيرها. ويمر الزمن، واكتشف بعد أكثر من أربعين عاما بأن خفايا العلم اقتحمت في وقتنا الحاضر ضمن مجالنا الفني الأثير.                                                                                                                  الآن لم يعد الفن   حكرا للذات وميولها وعواطفها. لقد اخترقت الرياضيات و (البيولوجيا التركيبية) بمبادئها: التوحيد والتجريد والنمطية والجماليات الاصطناعية. مثلما أسست لها تخصصات في العديد من جامعات العالم، وجمعت بين دفتها الفنان والعالم. لقد تحقق حلم محمود صبري العلمي، ولو في مجالات أخرى. لكنها التجارب العلمية التي سوف لا تقف عند حد. ومن يعلم بأن لا تجد بحوثه طريقها في يوم ما إلى التطبيق. إنها النبوءة والحلم، والفنانون كما العلماء حالمون كبار.    في بداية الستينات اضطلع فناننا بدور المرشد الروحي لخيرة فنانينا الرواد، لصاحبه جواد سليم ورفاقه الآخرين. لقد دلهم على نبض الشارع المسحوق، على الإنسان المهشم والمهمش في قاع المجتمع، على الملامح الإنسانية الموروثة من أزمنة القهر المتكررة عبر التاريخ. لقد قادهم إلى هذه البؤر التي لم يجرؤ احد قبلهم على ريادتها. ومن يدري انه لولا إشاراته الاجتماعية هذه أن يصوغ لنا جواد في ملحمته مثلما ما صاغه. لقد انقضى ذلك الزمن تحت ركام آثار جديدة ليس من السهولة ولا من الوضوح فك طلاسمها التي وجدت لها صدى ضمن فضاء العهر السياسي الماضي. لقد كان وقتها منقادا لنداء الروح التواقة للانعتاق من متاهة الواقع الاجتماعي الرث متسلحا بالعلم النظري وحدّة الإبصار. ولم يكن مفاجأ أن يتحول لتفحص خفايا العلم في وحدته أو منفاه الاختياري. فالعالم بحاجة إلى وحدته. والفنان لا يستغني عنها أن اخلص لفنه. ولا إخلاص أوضح مما مرت به تجاربه من حرص على إخراج الأمثل. فهل تعلمنا الدرس.   هل نوّدع تراث محمود صبري ونحن نودعه لمثواه الأخير. وهل بعد كل محاولات طمس ملامحه من خارطة الفن التشكيلي العراقي، سوف نبقى متفرجين على خساراتنا المتكررة لأرث لا اعتقده يتكرر كما كان. فلكل ارث فرادة تاريخية هي جوهرة ليس من السهولة التفريط بها. ليس للرثاء من معنى ما دام سوف يطويه النسيان. فلا تزال المساحة المخصصة لعمله فارغة خلف جدارية فائق حسن في ساحة الطيران. فليكن عبرها حاضرا شاخصا لنا ولأجيالنا القادمة. علامة بغدادية لا يطويها النسيان. لقد كان له دالة علينا. أليس من الواجب أن نحفظها له.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram