TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: عبثا تخلصوا من قيصر

أحاديث شفوية: عبثا تخلصوا من قيصر

نشر في: 21 إبريل, 2012: 03:18 م

 احمد المهنااغتيال الامبراطور الروماني يوليوس قيصر(100 – 44 ق.م ) كان احدى "ساعات القدر في تاريخ البشرية"، التي توقف عندها ستيفان زفايج. ولكنه لم يعرض ذلك من خلال سيرة الامبراطور، وانما من خلال سيرة ماركوس توليوس شيشرون( 106 – 43 ق.م) أعظم كتاب عصره.
وقيصر بنظر شيشرون ارتكب "أكثر أنواع القتل جدارة باللعنة، وهو قتل إبن الوطن لوطنه". فقد أطاح بالقانون، وألغى مجلس الشيوخ، وأخضع كل شيء لدكتاتوريته. وفقد شيشرون بذلك مكانته في روما، فماذا يستطيع أن يفعل المحامي الأول عن القانون في ظل حكم الفرد؟ان خدمة الدكتاتورية تنتقص من كرامة المفكر الحر وشرفه. ولذلك ابتعد عن روما وانصرف الى تدوين حكمة العمر، وأخرج منها نجوما هادية في فضاء الفكر الإنساني.لكن اغتيال "قاتل الوطن" أنعش فيه الأمل. وكان ظل شيشرون موجودا في احدى طعنات القتلة. فبروتس الذي كان أحدهم تلفظ باسم شيشرون وهو يغمد خنجره في صدر قيصر. وبروتس كان يحب قيصر، لكنه كان يحب روما أكثر. روما الحرية. وشيشرون كان روح روما الحرة فكيف لا يتحرك؟ وكان سقوط الدكتاتور نداء للفكرة الأكثر سموا. واستجاب شيشرون وتحرك واندفع في حماسة الى منصة الخطابة في روما، وألقى 14 خطابا أدهشت روما، وأدهشت التاريخ. وجرأة ظهور شيشرون على مسرح تلك الأيام لم تقل ادهاشا عن خطبه. فقد كان المثقف، الإنساني، القانوني، الأعزل، في عالم اصبحت القوة فيه هي القانون.وكانت مشاعر الوطنية والحرية قد خبت بعدما فعل قيصر ما فعل بالرومان. وتنازعت الامبراطورية عقب اغتياله ثلاث كتل رئيسية، وأوشكت على ادخال البلاد في حرب أهلية. وتطلعت الكتل الثلاث الى معلم القانون الشهير، وكل منها يأمل أن يحول باطله الى حق، ولكنه يرفض بيع الدولة لحزب من الأحزاب. ومرة أخرى يصبح شيشرون وحيدا، ويكتنفه اليأس، ويعود الى عزلته. انهم "عبثا تخلصوا من قيصر، لأنهم لا يتخاصمون جميعا الا من أجل سلطته، وهم لا يلتمسون المزايا والمكاسب إلا من أجل أنفسهم، لا من أجل المقدس الوحيد، وهو القضية الرومانية".كذاب، مغتصب، وغد، لص. بهذا كان رؤساء الكتل الثلاث يصف بعضهم بعضا. ولكن "توازن القوى" بين جيوش الجنرالات الثلاثة، انطونيوس وليبيديوس واوكتافيان، يجبرهم على البحث عن تسوية. فيجتمعون ويقررون حل الصراع على السلطة بتقسيم الامبراطورية الى ثلاث ممالك. وحل الصراع على الثروة بمصادرة أموال ألفين من أغنى أهل ايطاليا وقتلهم. وحل مسألة المعارضة بملاحقة المستقلين والأحرار، وعلى رأسهم أشهر كاتب في ايطاليا، شيشرون ما غيره.ويصل خبر التسوية الى شيخ القانون الروماني. ويتلقى النصيحة بالهروب. لكن الشيخ خاف المنفى أكثر من القتل. المنفى ينزع السحر عن العالم. المنفى فراغ. وكذلك الموت. لكن الشعور بالفراغ هو الموت كل يوم. أما القتل فهو الفناء مرة واحدة دون تكرار. اختار أهون الشرين، وقتل، وسمر رأسه على منبر الخطابة الذي ناشد منه الشعب النهوض للدفاع عن الحرية الرومانية.وبعد كل هذه القرون عادت روما ونظيراتها من مدن الحرية الى حضن شيشرون. ولكنه، أو ما يمثله، بقي معرضا للقتل كلما سلكت السياسة دروب القسوة، والعنف، والحرب. كما بقي وحيدا وغريبا وطريدا كلما قضى دكتاتور وخلف وطنا قتيلا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram