احمد المهنالحي العامرية "السني" في بغداد ثلاثة مداخل فقط أحدها قريب من منزلي. وفي العادة يكون هذا المدخل مزدحما ازدحاما شديدا، لكنه يقل أيام العطل. وعلى ما يبدو فان سكان الحي يفضلون الاستراحة في بيوتهم أيام العطل لتجنب عناء الإصطفاف في الطوابير الطويلة أمام المداخل. وقد أصبحت للحي، على ما اسمع، طرق معيشته الخاصة. فهناك أماكن للسهر تعوضهم عن التطلع الى مراكز السهر المعروفة في بقية أنحاء بغداد، مثل المنصور والكرادة داخل وشارع الربيعي في زيونة.
وكان تنظيم "القاعدة" خلال ما يعرف ب"الطائفية"، قد سيطر على هذا الحي. و"الطائفية" هي الكناية الشائعة في بغداد تعبيرا عن جولة "الحرب الأهلية" عامي 2006 -2007 . في ذلك الوقت عدت العامرية أخطر مناطق بغداد. فقرر الأميركان عزلها بجدار فاصل. وجاءت نهاية ذلك الفصل الموجع من تاريخ الحي في نهاية 2007 عندما تولت قوات "الصحوة"، بتعاون مع شيوخ الأنبار، تطهير الحي من قوات "القاعدة".ولكن "الشبهة" ظلت تلاحقه لليوم. وعلامات هذه الشبهة هي الجدار الفاصل، طوابير الإنتظار الطويلة أمام مداخله، انفراده بين مناطق بغداد بسحب هوية كل زائر له من غير أهله عند الدخول واعادتها اليه عند الخروج، ثم التفتيش اليدوي لكل سيارة داخلة.ان الأمن أهم خدمة تقدمها الحكومات للناس. فالحياة في أي بلد تبدأ من تحقيق الأمان. ولما لم تكن هناك سلطة قادرة على فرضه في أعوام الفوضى، فقد قام الأهالي بالواجب، من خلال قوات الصحوة، وطردوا "القاعدة"، أو اضطروها على الأقل الى العمل السري.وقد مرت على ذلك الوقت أربع سنوات وبضعة شهور. ونمت خلالها السلطة نموا كبيرا حتى اصبحت للسلطة قوات أمنية تعد بالمليون بين شرطة وجيش ومخابرات. وكما عادت الحياة الطبيعية الى حد ما للحي، كان من المفترض أن تعيد الحكومة "المعاملة الطبيعية" الى الحي. ولعل الأهالي، وفيهم أغلبية من موظفي الدولة، توقعوا مكافأة تعلو حتى على "المعاملة الطبيعية"، نظرا لتوليهم اعادة الأمن الى حيهم بأذرعهم في المقام الأول. لكن ذلك لم يحدث كما هو واضح من استمرار الشغل الأمني بأدوات الفصل والعزل.لماذا؟ان "التفسير الأمني"، ولا أعرف ما هو، غير مقنع. وايا كان هذا التفسير فإنه لا يمكن أن يخدم الأمن. على العكس من ذلك فإنه يشكل سببا من أسباب تدهور الأمن. فالحكومة ما أن تضع منطقة من المناطق تحت الشبهة، فإنها تبعدها عنها، وتضع حواجز نفسية تقلل التعاون بينها وبين أهالي تلك المنطقة.ان أساس الإستقرار الإجتماعي يبدأ من ثقة الأهالي بالوظيفة الأمنية للحكومة. فاذا فقدت هذه الثقة اضطرب الأمن، ولن تعيده السلطة الى نصابه. إن الأمن قضية اجتماعية وسياسية وثقافية وحكومية. انه قضية أكبر بكثير من أن تترك للقوات المسلحة وحدها. بل ان هذه القوات ستبدو شبيهة بقوات احتلال اذا لم تكن هناك ثقة من الأهالي بدورها.وليس هناك ما هو أبلغ تعبيرا عن فقدان الثقة من علامات عزل "العامرية". وقد كتبت علي رؤيتها كلما خرجت من منزلي أو عدت اليه. ومن شاف من بعيد ليس كمن عانى من قريب. اللهم الطف!
أحاديث شفوية:"العامرية" المعزولة
نشر في: 28 إبريل, 2012: 05:46 م