هاشم العقابييلجأ الانسان لاختراع الأساطير كحيلة دفاعية عندما يجد عقله عاجزا عن تفسير الظواهر التي تحيط به خاصة الطبيعية منها. فحين يحتار في ايجاد تفسير منطقي للعبة الحياة والموت، مثلا، نجده يخترع قصصا اسطورية عن الخلود مثلما حدث مع جدنا جلجامش. وها نحن احفاده اليوم صار عقلنا لا يعجز عن تفسير الظواهر الطبيعية، بل ويعجز، حد الشلل، عن فهم ظواهر سياسية تحاصرنا بشكل يومي. وان اردت ان اعدد هذه الظواهر فقد احتاج الى قائمة بطول نهر دجلة. خذوا ما حدث يوم الخميس من تفجيرات حصدت ارواح الناس وممتلكاتهم،
بينما ترد الحكومة ببرود بانها مجرد "رسالة اعلامية" مثلما تقول ان دولا كثيرة تحسدنا على نعمة الأمن والأمان. أو ان يطل عليك سياسي صار حاكما بعد ان كان يعارض صدام واذا به اليوم يفعل ما فعله صدام واتعس. ثم اي عقل يستطيع تفسير ظاهرة تشبث البعض بكرسي السلطة والسعي نحو تعدد الولايات الى ثالثة أو رابعة وربما خامسة، رغم ان هذا البعض لم يقدم لشعبه، في ولايتين متتاليتين، ما قدمته حكومة الصومال الفقيرة لشعبها. يحدث هذا والدولارات التي نزلت على العراق من خلال تصدير النفط قد تكفي لتغطية ارض العراق والصومال بالذهب. لا اظن ان الزمن سيطول كثيرا ليأتي من بعدنا جيل يكتشف أننا تركنا له اساطير تفوق ما تركه السومريون. اساطير تحكي عن بلد لا تنقطع به الكهرباء ولا تتفجر به العبوات والمفخخات. واخرى تتحدث عن شوارع تقبل أقدام الايتام والارامل لتمسح عن عيونهم الدموع وتدلهم على بوابات بدون حراس تمنحهم الحب والخبز والحنان. وسيجدون أغاني شعبية تمجد رئيسا عادلا كان لا يعترف بحزب او طائفة. وكانت الانهار، من فرط الخير والعدل بزمانه، تفيض خمرا ولبنا كأنهار الجنة. ثم انه بعد أن انتهت ولايته توسل به الشعب ان يبقى في الحكم لكن الدستور كان لا يسمح. توجه الناس لمجلس الشعب مطالبين بتعديل الدستور كي يسمح لرئيسهم المحبوب بالبقاء ولاية أخرى، لكن الرئيس بنفسه رفض ذلك بشدة كي لا يسن سنة سيئة. غادر كرسي الحكم بعد ان وجه للشعب خطابا مؤثرا جاء فيه: “أنا أغادر الرئاسة. لكن لا تتصوروا أنكم ستتخلصون مني لأنني سأكون في شوارع هذا البلد لخدمتكم“ وسيكتشفون اننا تركنا لهم ملحمة شعرية عن طائر ابيض بجناحيين ذهبيين يحمل سندريلا عراقية بعيون مثل عيون زرقاء اليمامة تكتشف، عن بعد، كائنات تعيش في منطقة خضراء. كائنات تكذب على الناس وتسرق قوتهم وتحجب عنهم موارد نفطهم. انها مخلوقات عجيبة اذ لا تصلها التفجيرات ولا يزعجها حر الصيف ولا يهمها برد الشتاء ولا تعرف معنى للبطالة أو البطاقة التموينية. تحزن السندريلا فتبكي وتطلب من الطائر الأبيض ان ينزلها في ارض الفقراء. وحين وصلت الى هناك قصت على الفقراء والمظلومين والمنهكين حكاية الخضراء، فبكوا معها جميعا. ما عدا شيخا كان يقف لوحده يغني: "الاحزان لا تبني الاوطان يا ناس".
سلاما ياعراق : أساطير عراقية
نشر في: 28 إبريل, 2012: 05:51 م