لطفية الدليمي لا ترتبط الكتابة الإبداعية في مرحلة الاحتراف المتقدم – بوجود عنصر (إلهام) محفز، خاصة في مجال القصة والرواية، فقد يصح الأمر على بعض أنماط الكتابة الذاتية وبعض طرز الشعر، أما السرد القصصي والروائي فإنه يتطلب مرجعيات متعددة تقوم عليها بنية النص وتيسر له إنتاج العمل السردي، منها مؤثرات مكانية وإنسانية وخزين معرفي وخلاصات تجارب وأبحاث ورؤى متباينة للعالم والزمن والأمكنة والشخوص..
قد يصح الركون إلى شيء من الإلهام في مرحلة البدايات في فترة (المراهقة الإبداعية) – حين لا يزال الكاتب أو الكاتبة مشروعا مبدعا لم يمتلك أدواته ورؤيته الخاصة وقدرته التخييلية المدربة ولم يكتشف أسلوبه الشخصي بعد – فيقتنص أو تقتنص شرارة نص ما من حالة تناغم إنساني أو حالة وجدانية أو حالة عشقية أو الإعجاب بفكرة شخص يمثل للكاتب والكاتبة حلما ما، وتحدث هذه الاتكاءات على المحفز الخارجي عندما لا يكون المرء قد امتلك ينابيعه، وتعرف على قدراته الذاتية التي ستضيء المواقف والأحداث وتستقطبها لعمل إبداعي .. ويبقى المحفز الذاتي الإبداعي بعد مرحلة النضج والتجربة مصدرا أصيلا لتوهج الجذوة وديمومتها وإمداد الكاتب أو الكاتبة بثيمات تخصه وتستند إلى تجربته وأحلامه ورؤاه. وعندما تستند التجربة الإبداعية إلى سعة الحياة ومكوناتها وأحلام النفس الإنسانية وخرابها وازدهارها واندحارها وعقدها واختلاف نزوعاتها - تتخطى المسألة الإبداعية فكرة الإلهام الخارجي إلى الابتكار الذاتي.ويختلف الاستيحاء عن فكرة الإلهام، فقد يلجأ الكاتب أو الكاتبة إلى استيحاء ثيمة تاريخية او أسطورية او معاصرة من عمل مسبوق ويشتغل عليها – في عمل شعري أو سردي أو مسرحي – بسبب غناها بالتناقضات وليس افتتانا بها كما هي موضوعة الإلهام – فيتعامل الكاتب مع الموضوعة المستوحاة برؤية مختلفة تعتمد التفكيك والدحض لا التكريس والانسحار.. تطغى موضوعة الإلهام على نصوص بعض الكاتبات والشاعرات اللائي يتخذن من كتابة البوح الأنثوي ووصف اللوعة والظلم والعشق والهجران - أسلوبا للتعبير عن ذواتهن بالاستناد إلى محرض وملهم من خارج الذات لتوصيف الذات نفسها ، وغالبا ما يقع المحرض أو الملهم في فضاء الحياة المعاشة للكاتبة أو يكون مجرد مثال مستلهم من فضاء الحلم، بينما تنهض الكتابة الإبداعية المتمرسة التي تجاوزت مرحلة الفيض اللغوي الرومانسي - على تجارب الكاتب الحياتية ونشاطه التخييلي وخزينه المعرفي وتمرسه اللغوي وخبراته الروحية والفكرية المتراكمة ..ويصبح موضوع الملهم أو الملهمة مستبعدا في ذروة النضج الإبداعي والتخطيط لعمل واع ، فلم تعد عملية الإبداع مجرد استرسال لفظي أو تهويمات رومانسية أو عرض حالة ذاتية هلامية التكوين ، بل تصبح نشاطا مركبا بمستويات متعددة يمتزج فيها الذاتي بالمتخيل والواقعي بالحلمي وترتبط مع بعضها بخبرة الكاتب ومعارفه المستجدة .. غير موضوعة الإلهام والاستيحاء هناك التحفيز الجمالي والمعرفي الذي ينبثق من حوارات فكرية قد تتقاطع مع فكر الكاتب أو تتواءم معه لكنها ستكون محفزا ومحرضا يفرز أفكارا وثيمات جديدة تغني التجربة الإبداعية، فالحوارات والقراءات المتنوعة إضافة الى تجارب السفر والاكتشافات وخوض تجارب إنسانية واجتماعية وفكرية - تفعل فعلها في تعزيز قدرات الكاتب وأدواته ولا علاقة لهذه المحفزات بفكرة الإلهام، فالإلهام يتطلب وجود مسافة بين الملهم والمستلهم الذي ينسحر بكائن أو شيء ما يتصور أن له مواصفات خارقة ومزايا مثالية حتى ليبدو موضوع الإلهام شأنا أسطوريا تضفي عليه النزعات العاطفية والرؤى الرومانسية هالات من السحر والإمكانات الفوق طبيعية - وتأتي الكاتبة أو الكاتب المسحور ليضاعف تلك المزايا في نصوصه أو نصوصها ..
قناديل :الملهمون والملهمات وما بينهما
نشر في: 28 إبريل, 2012: 05:53 م