وميض إحسانلم يعد أعداء العراق بحاجة إلى العمل على ضرب استقراره وتدميره، فالذي نقوم به نحن العراقيون أفضل بكثير مما يمكن أن يحققه الذين يسعون إلى تأخره على استعادة عافيته الضائعة. في طقوس السياسة الدولية، وسعي الدول نحو تحقيق مصالحها الوطنية والقومية على حساب الآخرين، سيكون من الغباء أن تبذل جهداً مكلفاً للانتصار على خصم يستنفر في داخله عوامل التدمير الذاتي، ويعمل على تدمير نفسه بنفسه.
ثمة إصرار غريب يتفاقم داخل نفوس بعض السياسيين العراقيين على تسهيل مهمة أعداء العراق، والتعامل مع عدم الاستقرار العراقي من خلال تمزيق الهوية الوطنية، بأساليب تؤدي إلى تقسيم قوى المجتمع إلى فصائل وفئات، تضع البعض في خانة الأعداء بكل شرور هذه التسمية، والبعض الآخر في خانة الموالين بكل امتيازات الموالاة.وثمة محاولات محمومة يبذلها البعض من اجل الانحراف بالخلافات السياسية نحو مسارات طائفية، أو عرقية، وتعبئة الشارع العراقي بطريقة تساعد على تهيئة المسرح السياسي لتشتيت المجتمع، وتقسيمه إلى جماعات قوية وأخرى ضعيفة، وخلق جبهات اجتماعية متقاطعة ومتنافرة، ترفض كل منها سماع صوت الآخر، وحتى وجوده، الأمر الذي يجعل من السهولة تطويعها وقيادتها لتشهر كل جبهة سيوفها وتتجه لطعن الآخر.خلال الأسابيع الماضية تصاعدت أسباب التقاطع بين فرسان، وحتى أشباه فرسان، اللعبة السياسية، وظل شاغلهم الرئيس زيادة غليان الشارع العراقي، وإشغال وسائل الإعلام بالاصطفافات المؤلبة باتجاه احتمالات الاحتراب الداخلي، ولم يفكروا بضرورة التروّي قليلاً، واقتطاع فسحة من الوقت للمراجعة وحساب النتائج فيما إذا تصاعت ألسنة اللهب بين الناس، والنتائج المخيفة التي يمكن أن تترتب على اندلاع الحرائق، متناسين أسباب التغيير وأهدافه، وشعارت الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي وعدوا بها العراقيين، الذين دفعوا من اجلها فاتورة باهظة الثمن، الأمر الذي يدعو الجميع إلى التلاحم من اجل النجاح في استيفاء بعض فقراتها. لقد تغيرت الأهداف، وانفضت عرى التحالفات الوطنية الواهية، إلا أن الوعود ما تزال قائمة، مجرد شعارات مكررة معلقة على الجدران مثل خرائط قديمة تطوى وتستبدل.وإذا ما تنبهنا إلى أن البلد يواجه أزمات قديمة كان حلها يمثل المطالب الأولى للتغيير، منها اقتصادية يخص بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات للشعب وفرص العمل للملايين من العاطلين، والالتزام بنهج سياسي عام يحقق العدالة الاجتماعية، فان ما واجهناه خلال السنوات التسع المنصرمة، وما نواجهه الآن، يكشف حجم العبث في أولويات الإصلاح الذي أوقعتنا فيه النخب السياسية في مواجهة أوضاع البلد والناس على حد سواء.وبقدر ما تباينت صور مشهد التنافر الحاد بين مختلف الأطراف المتحكمة بالعملية السياسية، في ما يتعلق بأزمة القائمة العراقية مع دولة القانون، وانعكاساتها المخيفة على الشارع العراقي، وما أحدثته أزمة الاتهامات المتبادلة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية حول عمليات تهريب النفط العراقي، وتأثيراتها على مستقبل العراق، وتعارض مصالح الصدريين مع الكثير من مواقف الكتل السياسية، فضلاً عن "استحداث" أزمة البنك المركزي العراقي، واعتقال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وغيرها من الأزمات المتلاحقة التي تتفجر بين مدة وأخرى، كل ذلك كان داعياً لأن تأخذ مشاعر القلق مداها في نفوس العراقيين، حتى بات الخوف من المستقبل محور أحاديثهم اليومية، خصوصاً إذا ما تتبعنا أداء بعض وسائل الإعلام المحلية، وتصريحات بعض السياسيين، وآراء بعض المحسوبين على الشريحة الثقافية، في طبيعة الرؤية الآنية، ولعلها المصلحية، لأزمات تتوالد بسرعة جنونية قد يعي الكثيرون دوافعها، لكن لا أحد يتوقع مدياتها. والأخطر من كل ما يحدث الآن، هو الطريق الغائم الذي سيفرض على العراقيين سلوكه إذا ضاعت الحكمة من رؤوس القابضين على إدارة العملية السياسية، وطبيعة التعاطي مع مفردات الأزمات، بما يجعل الحل خاضعاً لأحد خيارين، إما أن تتفاقم الأوضاع فتقود إلى حرب بين أبناء الدين الواحد، والوطن الواحد، وإما أن تؤدي نتائجها إلى تشجيع دعوات المحافظات العراقية للابتعاد عن صلب أزمة العراق الحقيقة، والإصرار على تحقيق التشرذم المجتمعي من خلال المضي في مشروع فيدرالية الأقاليم، وكلا الخيارين يؤديان إلى الخراب.
ما الذي نفعله بأنفسنا؟
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:00 م