علي حسينمسكين ملك اسبانيا ، فالرجل وجد نفسه في ورطة ولابد أن يقدم اعتذاره للشعب بسبب الانتقادات التي وجهت له، وقبل أن اقرأ تفاصيل الخبر تصورت أن خوان كارلوس راودته نفسه على المال الاسباني العام فحول لحسابه بضعة ملايين من أموال عقود الكهرباء ، أو انه استخدم نفوذه الملكي واستورد اجهزة لكشف العطور بدلا من المتفجرات ،
فراح ضحية فعلته هذه آلاف من الأبرياء من مشجعي الريال وبرشلونة ، وقلت مع نفسي حتما ارتكب الرجل معصية كبيرة حين وضع ختمه الملكي على عقود الحصة التموينية التي تمارس وزارة التجارة من خلالها تجاربها على الشعب، فتستورد له مواد غير صالحة للاستهلاك البشري، واستعذت بالله وقلت ربما استغل الرجل مكانته وقرر الحصول على شهادة دكتوراه مزورة في الحشمة وفوائد لبس النقاب، وذهب خيالي بعيدا وقلت بالتأكيد الرجل سهّل عمليات سرقة النفط الاسباني وتحويله إلى دول الجوار ، ولكن حين قرأت الخبر اكتشفت أنني أتجنى كل يوم على سياسيينا حين اتهمهم بالفساد وسرقة المال العام والانتهازية والترويج للطائفية، فالملك ارتكب جرما اشد وأقبح ، فقد أغرته الحياة فقرر أن يقوم برحلة صيد، الاعتذار الذي نشرته الصحف الاسبانية على صفحاتها الأولى يقول : " قدم العاهل الإسباني، الملك خوان كارلوس، اعتذاراً غير مسبوق للشعب، عن رحلة صيد قام بها إلى بوتسوانا، فيما تعاني بلاده من أزمة اقتصادية. وقال الملك "إنني آسف للغاية، لقد ارتكبت خطأ، وهذا لن يتكرر مجددًا."لو سألت أي مواطن عراقي مغلوب على أمره عن شعوره وهو يسمع أن ملكا بصولجانه يعتذر، فقد يموت كمدا أو يموت ضحكا، أما لو سألت أي مسؤول عن رأيه لسارع في الفور لاتهام الملك بأنه إما ساذج أو ينفذ أجندة خارجية تريد التأثير على العملية الديمقراطية.هل هناك مسؤول عراقي يعترف بأن اللغة العربية تضم مفردة اسمها "اعتذار" وإذا تمكن يوما من معرفتها فهل يفكر في استخدامها ؟ هل هناك مسؤول سياسي يشعر بأن عليه أن يعتذر ؟، وإذا قرر هل يفكر في الاستقالة؟، هذا في عرف سياسيينا أقصى حالات التطرف، فالعاقل من يمسك بالمنصب بيديه وقدميه وأسنانه ، يعاونه طبعا شلة من المنتفعين والانتهازيين. في الأمم الحية نفاجأ كل يوم بكل ما هو مدهش، ففي اليابان نجد بعض المسؤولين يقتلون أنفسهم لأنهم لا يستطيعون مواجهة الناس والمجتمع بعد فشلهم في أداء ما هو متوقع منهم، أو افتضاحهم في قضايا فساد، وفي ألمانيا اضطر رئيس الجمهورية إلى الاستقالة ، بعد أن اكتشف مجلس النواب أن الرئيس استغل منصبه فحصل على قرض لبناء منزل لعائلته .لو طبقنا هذه القاعدة لدينا لاختفت طبقة السياسيين من البلاد، لأن الأصل هو الفساد، والنزاهة هي الاستثناء. اليوم ، الإعلام يوجه رسائل يومية عن ملفات فساد متورط فيها مسؤولون كبار، فنجد الحكومة ومقربيها يطبقون نظرية "لا أرى ، لا اسمع ، لا أتكلم" فيما المفسدون والقتلة والمزورون يتبجحون علنا بأفعالهم ويعتبرونها جزءا من العملية السياسية .تخيلوا لو أن برلمانيا عراقيا اتهم بتزوير شهادته الابتدائية، او بحصوله على رشاوى ماذا كان سيفعل؟ حتما سيقول أن متهميه يريدون العبث بأمن البلاد ويطالب بتطبيق 4 إرهاب بحقهم، وأن هناك مخططا تقوده خلايا البعث بالتعاون مع إرهابيي القاعدة لتشويه سمعته ، ولصرخ بصوت عالٍ انه باقٍ في منصبه إرضاءً للجماهير التي لا تنام إلا وهي تضع صورته تحت الوسادة. للأسف ، نحن اليوم نعيش في بلاد تحكم بالفساد والانتهازية وثقافة الصوت العالي.نتأمل جيدا وجوه سياسيينا فنجدها تشع بثقافة الخديعة والغش والانتهازية ، وجوه تدافع عن قيم الجهل وغياب الكفاءة وركاكة المضمون. اليوم، لا نريد منهم الاعتذار وإنما نطالبهم بأن يختفوا من حياتنا، وعليهم أن يشكروا الله لو أن أحدا لم يحاسبهم على ما ارتكبوه بحق العراقيين من تضليل ومناصرة للفساد وترويج للطائفية وقتل الناس على الهوية، فنحن في النهاية أمام مسلسل طويل من الجرائم التي ارتكبت بحق هذا الشعب المسكين ، لا تكفي معها بحور من الاعتذارات .
العمود الثامن :متى يعتذر ملوك العراق؟
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:23 م