د. معتز محي عبد الحميد بعد عمر يناهز الخمسين، توفي، تاركا وراءه علماً نافعاً في كتب عديدة، تناولت الفقه والسيرة والتاريخ و...، لكنه لم يقتحم ميدان تفسير القرآن، لأنه كان يرى أن هذا الحقل يستدعي تفرغا علميا كاملا، لم يجد نفسه قادرا عليه. بعد تشييع مهيب أودع جثمانه القبر، وعاد المشيعون إلى بيوتهم، ليناموا تلك الليلة من دون أن يدروا ما الذي حصل للعالم بعدما دفنوه.
لقد عاد إليه وعيه واستفاق من الغيبوبة التي حسبها الناس موتا، فسارعوا إلى تجهيز جنازته ودفنه، لكنه الآن لا يدري كيف يتخلص من القبر المغلق عليه. أدرك أن أي تأخير يعني الموت المحقق، لكن كيف الخلاص؟ إلى من يلجأ وهو العالم الديني الذي كان يعلـّم الناس اللجوء إلى الله في الشدائد؟ وفعلا توجه إلى ربّه متضرعا وزاد من الدعاء بأن ينذر لله لو أنه نجّاه من قبره، لينفق باقي عمره في تفسير القرآن.القدر كان قد هيّأ له سارق أكفان نشيطاً لا ينتظر طويلا بعد الدفن، ولما شعر العالم ببدء عملية نبش القبر تجمّد بلا حراك لئلا يخيف السارق فيهرب، فقد أصبح السارق غاية أمله، ففي هذا الظرف بالذات ينجز اللصوص ما يعجز عنه جميع الشرفاء. عندما امتدت يد اللص إلى الكفن ليستلـّه أمسك الشيخ بيده ليستعين بها على الخروج من القبر. ولا تسألوا عن حال السارق العاثر الحظ، لكن اسألوا: هل وفى الشيخ بنذره؟نعم، لقد فعل ذلك وألـّف كتاب «مجمع البيان في تفسير القرآن».انتهت القصة التي سمعتها في طفولتي فصدقتها، ثم كبرت وحصلت على مستوى من العلم فأنكرتها، ثم اتسعت معلوماتي وبحثت في مجال «الموت الدماغي» فسحبت تكذيبي من دون أن استبدله بتصديق الطفولة، ذلك أن الشيخ لم يكن الوحيد الذي قام من قبره، فالشاب الأميركي زاك دنلاب له قصة تشترك في بعض عناصرها مع قصة شيخنا مفسّر القرآن. في أواخر العام 2007 وبينما كان زاك يقود آليته الزراعية في احد حقول اوكلاهاما في الولايات المتحدة إذا بها تنقلب به فيصاب بكسور خطيرة يفقد على أثرها الوعي، وعندما هرع الأطباء إلى إسعافه في قسم العناية المركزة وجدوا أن الأوان قد فات، وأن الشاب دخل في مرحلة الموت الدماغي، وأصبح فاقد الوعي عاجزا عن التنفس. وبعد إجراء التقييم الطبي القانوني له شخصوا موته دماغيا ورشحوه - بعد إجراءات قانونية محددة- إلى اقتطاع أعضائه للتبرع بها للمرضى الذين تتوقف حياتهم على زراعة أعضاء سليمة لهم. وهكذا أصبحت كليتا زاك وقلبه ورئتاه وكبده وقرنية عينيه تنتظر مبضع جراح زراعة الأعضاء. أحاط أقرباء زاك بسريره في غرفة الإنعاش وهم مذهولون لهول الصدمة ينظرون إلى جسد قريبهم المتصل بجهاز التنفس الصناعي الذي ما زال يعمل ليبقي الأعضاء المرشحة للانتزاع حية نشطة، فإذا انتزعت أطفئ الجهاز وأرسل الجسد الفارغ من الأحشاء إلى الكنيسة للصلاة عليه ثم دفنه.كانت بنت عم زاك- وهي ممرضة جيدة التدريب- تقف عند قدميه، وبحركة عفوية أخرجت من جيبها مقلمة الأظافر وفتحت سكينها الصغيرة ومررتها برفق على باطن قدم زاك كما يفعل أطباء الأعصاب في ما يسمونه بعلامة بابنسكي، لكن المفاجأة كانت أن قدم زاك استجابت لهذا الفعل، وحدث تقلص عضلي غيـّر مجرى الأحداث، وحضر الطبيب المشرف فأجرى الفحص بنفسه فتيقن من بقايا حياة أجبرته على تأخير إرساله الى غرفة العمليات التي كانت جاهزة لانتزاع أعضائه. أعطى الطبيب أوامر جديدة بالاستمرار في التنفس الصناعي وسائر إجراءات العناية المركزة ومواصلة مراقبة الحالة. بعد أسبوعين افاق زاك واستعاد قدرته على التنفس الطبيعي، وتم فصل جهاز التنفس عنه لينهض مسلماً على أهله وليخبرهم لاحقا انه كان يسمع أحاديث الأطباء الذين قرروا انتزاع أعضائه!
تحت المجهر :عندما يدفن الأحياء...!
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:32 م