(2 ـ 2)د. سيّار الجميل*ثالثا : العراقيون: من التعايش إلى التشظي لقد تشظّت الروح العراقية التي لم تكن منسجمة في يوم من الأيام نتيجة لتباينات معقدة. وعليه فإن الهوية إما تبدو محتكرة عند جماعات ، أو تبدو مبهمة عند جماعات أخرى ، او غائبة عند آخرين وكثيرا ما نجدها متمزقة ، أو مهشمة ، او مستعرضة عند عراقيين( يسمون أنفسهم بمثقفين ) . ولعل اخطر ما وجدناه على امتداد خمسين سنة مضت :
هوية مزيفة عند سياسيين قرنوا الهوية والأيديولوجية في مرحلة تاريخية، أو "إذا قال القائد الضرورة قال العراق" ، أو البسوها لباسا مذهبيا أو طائفيا في مرحلة تاريخية أخرى. أن غيبوبة الهوية العراقية تبدو واضحة تمام الوضوح عندما تتقدم المحليات جغرافيا ، أو تتعرّى التباينات الاجتماعية تاريخيا، فكان أن أنتجت صراعات في المستويات، أو كراهية ألمّت بها كل الطبقات، وهي أمراض متوارثة منذ القدم ، ولم يستطع معالجتها لا المسؤولون في الدولة ولا أصحاب النفوذ في المجتمع أبدا . ثمة من كان ولم يزل عشقه للعراق والعراقيين كبيرا بدرجة او أخرى، ولكن الدولة لم تنضج مؤسساتها على أسس سليمة ، إذ بقيت الفوارق اكبر مما نتخيل بل ان المصالح الفئوية أو الطبقية هي المتقدمة دوما على المصالح الاجتماعية الموحدة ، بل أن الصراعات الاجتماعية كانت تستفحل مع توالي الأيام والأزمان وبدا واضحا أن ما كان يعد وباء كالعشائرية مثلا غدت تأخذ لها سمات راسخة وان الذي كان يعد آفة ومرضا كالطائفية وصل ليكرس دستوريا وسياسيا وإعلاميا في البلاد . لقد كان التعصب للأفكار والسياسات متزمتا فأصبح متشددا ، بل أمسى عصائبية مرضية في الأيديولوجيات والأحزاب وثخنت الجراحات عند وصول التعصب والعصائبية للدين والمذهب والطائفة بشكل لا يصدق ! ولما كانت القومية قد غدت شوفينية مقيتة راحت القوميات تأكل بعضها بعضا على حساب ما يسمى بالهوية العراقية التي لم تحتفظ بخصالها إلا عند فئات قليلة وشاحبة تعيش معاناتها وآلامها بشكل لا يطاق.نحن العراقيين لا نعيش أزمة هوية يمكن حلها بسهولة بل نعيش فراغا مزمنا قاتلا لا يمكن أن تأتي حلوله بسرعة في فضاءات انقسامية، او من خلال دكتاتوريات تسلطية ، أو حكومات فردية ، او من خلال مقالات صحفية . إن الأجواء ملبدة دوما بالخوف. الأجيال دوما تسجن في صفوف مدرسية أو تنصت لأصوات شاذة تتعلم ثقافة التخلف وأوبئة الماضويات العقيمة. البيوت معدومة من ثقافة عراقية عن هوية موحدة تنشد الانسجام ، مع طغيان المحليات القاتلة . إن الأطفال في كل مرحلة من المراحل يصفقون بجنون لهذا مرة ولذلك مرة أخرى ويعلقون على صدورهم صورة هذا الحاكم أو ذاك الزعيم ولا يسمعون شيئا عن المعاني الحقيقية والرمزية للعراق . من يمتلك هوية عراقية لا يعرف قاموسه التمييز ، ولا تعرف تربيته الكراهية ، ولا تعرف روحه إلا المشاركة .. تجدهم جميعا وقلوبهم شتى عندما يطغى التعصب لا تجد صاحبه إلا كاذبا مهما أعلن من شعارات الوطن واستعرض أمجاده الوطنية وادعّى حبه للعراق او عشقه الكاذب للعراقيين . رابعا : ماذا نفعل؟ مستقبل محفوف بالمخاطر مع غيبوبة الانسجام إن مستقبل العراقيين محفوف بالمخاطر ، فالعراق يصعب جدا تقسيمه جغرافيا، ويستعصي تفكيكه تاريخيا ويستحيل تمزيقه إقليميا ، فالمشكلة ليست في العراق أبدا بل المعضلة في أهله الذين تعايشوا طويلا، ولكنهم لم ينسجموا في يوم من الايام مع بعضهم الآخر. إن الانسجام شيء وان التعايش شيء آخر. ولعل العراقيين أخصب شعب في اعتزازهم بأنفسهم متفرقين، ومن أكثر الشعوب إيثارا لهوياتهم لا لهويتهم وربما كانت فصائل وعشائر وقبائل منهم أكثر الناس أخذهم للثأر والثارات ويحتفظون بذلك لسنوات طوال حتى يحققوا ثاراتهم ليكونوا من أكثر الناس تشفيا بنيل ما يضمرون عليه أو يصممون عليه دون أي رادع بل ان القسوة تغلب على أي منحى أنساني عندهم، اعتزازهم بأنفسهم فرادى اكبر من اعتزازهم بأنفسهم كهيئة اجتماعية موحدة . الدخلاء والوافدون والمهاجرون واللاجئون كثر على امتداد التاريخ نحو العراق وبنفس قدرة العراق كونه بلدا جاذبا كان ولم يزل بلدا طاردا . وقد كان كل من تاريخه وجغرافيته وبالا عليهم كمجتمع نعم ، اكرر أن العراق جاذب للآخرين ، ولكنه يعتبر بنفس الوقت طاردا لأبنائه. إن أبناء الداخل يكرهون أبناء الشتات كما تتوضح أحاديث كل من يزور العراق ويعود مهموما . ولكن بنفس الوقت أقول بأن عشق العراقيين قد يكون حقيقة للعراق ولكن ليس للعراقيين.. هوية المدينة غير هوية الريف، وهوية البلدات الصغيرة غير هوية القرى المحتقرة .. هوية البوادي هي غير هوية ضفاف الأنهار.. هوية العشيرة غير هوية العائلة ..هوية الحضر غير هوية القرويين .. هوية العاصمة غير هوية المدن الكبيرة الأخرى في المحافظات .. هوية الأقليات هي غير هوية الاكثريات .. هوية الطوائف غير هوية القوميات ، فكيف يا ترى إذا اجتمعت الطائفة مع القومية أو الأعراق؟ هوية المنسحقين غير هوية الأعيان القدماء .. تناقضات الهوية تحول دون أي تقدم أو خلق أي حيز في مجال التقدم . المشكلة أن العراقي لا يمكنه أن يفهم العراقي الآخر فيتجاهله
أجوبة صريحة على أسئلة مثيرة!
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:50 م