حازم مبيضين يبدو مربكاً كل هذا السجال حول زيارة مفتي مصر للمسجد الأقصى، وذلك الخلط المتعمد بين ما هو سياسي وفقهي، اعتماداً على جهل الكثيرين بالقضايا الفقهية، ووصل حد الخلط استدعاء قرار البابا شنودة، بمنع الأقباط من زيارة القدس تحت الاحتلال، وأخذ تنظيم الإخوان المسلمين على عاتقه الطعن في زيارة الأقصى بشكل عام، باعتبار ذلك تطبيعاً مع العدو الصهيوني، متناسياً الأثر الإيجابي على المقدسيين المنسيين، والمحتاجين لكل أشكال الدعم، بما فيها المعنوي، المتمثل بمثل هذه الزيارات، إلا إن كان علينا الانسياق كالنعاج،
وراء فتوى الشيخ القطري المصري القرضاوي، الذي شاء مناكفة السلطة الفلسطينية، فحرم الزيارة التي دعت تلك السلطة المسلمين للقيام بها، لشد أزر سكانها، وتأكيد طابعها العربي الإسلامي. يسأل البعض بخبث واضح، عن أثر زيارة مفتي مصر على حصار المسجد الأسير بالمستوطنات، لكنهم لم يقولوا ما الذي فعله الامتناع عن تلك الزيارات، غير تشجيع الصهاينة على تغيير المناطق المحيطة بالمسجد وتهويدها، وتهجير للسكان المقدسيين، ونسي هؤلاء أن الدعوة النبوية لزيارة القدس، كانت خلال وقوعها تحت الحكم الروماني، ونسي هؤلاء أيضاً أن النبي عليه السلام كان دعا المؤمنين لزيارة البيت الحرام، وهو تحت ولاية المشركين. الذين ينطلقون من فكر قاصر، يرون في زيارة الأقصى على ما فيها من عنت، وما تخلفه في نفس المؤمن من أسى، مجرد رحلة سياحية، وكأن الذاهب للصلاة في ظلال منبر صلاح الدين، يفتش عن متعة التسيح، وهؤلاء أنفسهم من كان يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً، حين تمنع قوات الاحتلال مواطناً عادياً، أو أحد رجال الدين من الزيارة، ويعتبرون ذلك من فظائع الأمور، لكن الواضح أن الموضوع بمجمله يدخل في باب المناكفة، التي باتت سياسة ثابتة عند الإخوان، يشهرونها في وجه كل من لا ينضوي تحت لوائهم، أو يرفض السير في ركابهم، باعتبارهم وحدهم من يملك الحقيقة، ويدافع عنها، بينما بقية خلق الله على ضلال مهما اجتهدوا. تنهال تهم السياحة على شيخ زار الأقصى، ويتهم بأنه قضى وقتاً قليلاً متعجلاً، قبل أن يتوجه إلى الساحل الفلسطيني، للتمتع بمنتجعاته، وفي ذلك قفز مشبوه على الحقائق، وتشويه بائس متعمد للزيارة وأهدافها، واتهامها بأنها تصب مالياً في جيب المحتل، مع أن الرجل لم يقض في فلسطين غير ساعات، صلى خلالها في الأقصى الأسير، وزار كنيسة القيامة، وهو في ذلك قدم دعماً معنوياً لأهلها، الذين يفتقدون أي شكل من أشكال التواصل مع أمتهم العربية والاسلامية، والذين تنتزع ملكياتهم، بالعنف والقسوة المعروفين عن المحتلين، ثم لا يلقون منا غير الصراخ غير المجدي عن الصمود والثبات. نعم تحمي مثل هذه الزيارات على الأقل، الذاكرة التي تبتعد بتسارع عن الأقصى وأهله ، أما القول أن مثل هذه الزيارات تفتح الباب لتجنيد عملاء للمحتل، فإنه ينم عن جهل فاضح بشخصيات الزائرين، أو عدم الثقة بالغير، لمجرد أنهم لا يؤمنون بالقرضاوي إماماً وقائداً، وفي ذلك ادعاء بغيض بامتلاك الحقيقة لهؤلاء، دون غيرهم من المسلمين، والمثير للسخرية أن هؤلاء يستنجدون باتفاقات كامب ديفيد، التي تحفظت على فتح الباب على مصراعيه لزيارة المناطق المحتلة، رغم رفضهم تلك الاتفاقات، وتنديدهم بها على الدوام.وبعد، أصرخ من أعماقي، من يأخذني إلى الأقصى؟.
في الحدث :الأقصى الأسير.. الزيارة واجب
نشر في: 28 إبريل, 2012: 07:05 م