TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ملفّ الهوية الوطنيّة في مهبّ الهويّات الصغرى "6"..مرضى الهويات!

ملفّ الهوية الوطنيّة في مهبّ الهويّات الصغرى "6"..مرضى الهويات!

نشر في: 28 إبريل, 2012: 07:40 م

ماجد موجدفي كثير من حواراتنا الخاصة نتطاول على أقدارنا ونجدف عن لوعة وقهر لأننا شعرنا بظلم حين وجدنا أنفسنا مندسين عنوة في وجود غفل إن كان في إطار جغرافي أو اجتماعي أو انتماء إلى عقيدة أو طائفة أو قومية.. نفكر ونتساءل ونسخر ثم تأخذنا الحياة وننسى منصاعين إلى ما نحن فيه من وجودنا المقدّر.. وفي كثير من حواراتنا أيضا نسمع من أصدقاء عبارات نتلمس فيها رضاهم عن أقدارهم ويرون أنه لا ضرر فيها ولا ضرار ويطوف حول ألسنتهم حمدٌ وشكرٌ على ماهم عليه..
 تلك سياقات أحاديث آل آدم العابرة المعتادة، لكن تنبري لنا في لحظة ما صرخة تثبّت الروح وتشلُّ منطقة ما من العقل، تهدّد وتتوعد لكيما نحدّد وجودنا وانتماءنا، لا كأفراد ننتمي إلى ما ننتمي إليه، بل هي صرخة تريد صبغة الجماعة.. لمن تنتمي؟ وماهي الهوية المشتركة التي تجد آصرتك تمتد إليها أكثر متانة؟.. صرخة تريد للفرد أن يكون ضمن الآخرين بهاجس مروع، تدفع به إلى جبهة المجموعة، تريده أن يكون طرفاً في نزاع لإثبات أحقية هذه المجموعة في الحياة والتفكير والحكم والتسيّد دون سواها.أن تصبح هوية الفرد هي الانتماء إلى الجماعة، أو بمعنى اصح فكرة الجماعة، ومن ثم ليس بالضرورة إن كانت هذه الجماعة لديها القدرة على أن تقنع الفرد على أن فكرتها تصب في صالحه، بل ليس من الضرورة حتى إقناعه  على أنها _ أي الجماعة _ تطبق حقاً وفعلاً الفكرة (الهوية) التي تريد الفرد أن يتعلق وينتمي ويرزح معها وفيها وتحتها. إن كنا نريد الحديث عن الهوية بوصفها الانتماء إلى جماعة ما، فرضا وواجبا وليس اختياراً، علينا أن نتوقف عند أولئك الذين تحدثوا عنها من قبل على تلك الهيئة، لقد تحدثوا عنها بكشف وفحص وأسباب كأنهم يتحدثون عن مرض اجتماعي، معظم المقولات إن لم تكن جميعها ممن أتت على البحث في أواصر معنوية بعينها (أطلق عليها اسم الهوية) كانت ترصد المشكلات الجمة التي تشيع في تلك الروابط والأواصر إن كانت دينية أو طائفية أو قبلية أو قومية..الخ. في (عالمنا) المنهكة عامته ونخبُه في الذبِّ عن انتماءاتها إلى الجماعة، نجده ليس سوى كونتات مفككة وأما مصطلح (هوية) فهو يبدو غير واقعيّ وفضفاضاً وأكاد أقول هشاً ولا قيمة له، حتى وإن كان الأفراد تحت خيمتهِ يتلاطمون من أجل القول إن ثمة آصرة ما تجمعهم.. هويتنا نظرية حماسية تنفع في خطب المنابر والمقالات الطويلة المتبجحة أمام الآخر.. حينما أقول (عالمنا) أعني نحن العرب بوصفنا الأكثر تشدقا وتشبثا بالشعارات حد الهوس، كدول بأنظمتنا وحتى الشعوب جماعات وأفراداً على حد سواء.. تبرز الهوية فقط لحظة التناحر والتطاول ومحاولة الحطّ من الآخر.. من يفكر في أهمية أية هوية في (عالمنا) عليه أن يفكر قبل ذلك ما الذي حققته لنا إزاء ما تحقق في الدول الأوروبية التي أوجدت لها هوية سلام واستقرار ورفاهية وقوة وهيمنة دون المساس بالهويات الفردية ولا حتى بالهويات الجماعية إن كانت على منوال الهوية الوجودية للشعوب، تلك الشعوب التي استطاعت الاتحاد بالوفاق والتوافق.. ربحت ونجحت في أوروبا هوية عملية وعلمية أخرى غير تلك الهويات التي يسجر حماستها أولئك الغائبون عن العالم والحياة العامة والنظام العام والمغرقون بصفير ذواتهم التي تمتاح من خلل تاريخي مخبول نصّب آباءهم وأجدادهم على خزائن الناس من طعامهم حتى كرامتهم.!   لطالما كان المستبدون في عالمنا يزجون الناس زجاً إلى هوية واحدة هي تلك التي يمكن أن تدجن الشعب وتستحمره، فإن كان الدين ينجح فهو الهوية وإن نجحت القومية فهي الهوية وإن كانت الطائفة فمرحبا ومرحبا وإن نجح الاثنان والثلاثة فهو الأكمل لإكمال دورة التملك والاستعباد..فسدت الهوية منذ أن استعملها المستبدون مثل سوط لتدجين الناس حتى صار الناس يتساءلون ما معنى البحث عن هوية خارج السلطة وهي التي تهتف وتحرّض وتنمّي روح الدين وجسد القومية وإطار الوطن. على مدى عشرات السنوات والمستبدون يصرخون ،إننا نعيش باسم الضمير المشترك والمصير المشترك والنضال المشترك والشرف المشترك والعدو المشترك واللغة المشتركة والثقافة المشتركة والأهداف المشتركة تحت راية (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) و قبل سقوطهم كشفوا لنا الكذبة الكبيرة وانه ما من رابط يربطنا وإن تونس ليس العراق ومصر ليست تونس و ليبيا ليست مصر و اليمن ليست ليبيا و سوريا ليست اليمن...الخوأما الهوية الدينية الإسلامية فإن المصالح الشخصية والفئوية والقبلية العليا قد فتّتها منذ بداية نشوئها وقد جند السلاطين مشرعين لإبراز هوية دين إسلامي أصيل هي التي ستنجي الناس من مغبة الدخول إلى سواها فصار مما يطلق عليه (الفئة الناجية) يتجاذبها أرباب الطوائف (الثلاث والسبعين) على أنها تخصهم وضيعوا العباد في صراعات ذاتية داخلية مريبة قبل أن تكون صراعات خارجية مع بعضهم بعضا حتى أصبح الجميع خارج الهوية الإسلامية أعني إن كان القياس في صحيح الاسلام على وفق الفتاوى والتشريعات الفقهية عند هؤلاء وأولئك من سلاطين وفقهاء فتاوى..الحديث عن هوية بوصفها استخدام الأفراد قسراً في خانة المجموعة يبدو -كما هو شائع- ليس سوى الحديث عن مرض اجتماعي صار لا بد من علاجه لكي ينعم الفرد بقدرته على اختياره إن كان عقيدة أو جغرافيا أو مذهبا أو فكرة حياة على مثل ما خلقه الله وعلى مثل ما يميته عليه.rn× شاعر وكاتب عراقيّ مقيم في القاهرة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram