TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: لحية قيصر والسيخ والداخلية

عالم آخر: لحية قيصر والسيخ والداخلية

نشر في: 28 إبريل, 2012: 08:09 م

 سرمد الطائيلسنوات طويلة نسي ساستنا الاسلاميون او تناسوا ذلك الجدل الواسع في الماضي حول اعفاء اللحية او حلقها. وقد شعرنا بالسعادة حين رأينا اشكالهم التي بدت اول مرة اقرب الى صور المتشددين النمطية، تتغير تدريجيا وتصبح اكثر "حداثة". كما ان كثيرا من الفقهاء يقولون لنا حين نسأل عن حكم هذا الموضوع، انه مجرد "كماليات" دينية وليست جزءا من العقيدة، وفي العراق كانت القضية بمثابة فعل احتجاجي ضد نظام صدام حسين قبل ان يصبح نجله عدي صاحب "اخطر لحية" في العراق.
وفجأة يحصل هذه الايام اهتمام بهذا الموضوع، فوزارة الداخلية عندنا تقول انها قررت السماح لضباطها ومنتسبيها بإطلاق لحاهم، كما يصدر بيان عن السيد مقتدى الصدر يلزم فيه كل نواب كتلته بإعفاء لحاهم. وهذا يأتي بعد بضعة شهور من سجال واسع في مصر حول جواز ان يطيل الضابط المصري لحيته. ويبدو ان لحى الشرطة امر نبهنا عليه اخواننا المصريون فتلقفه جماعتنا العراقيون.ومن المؤلم ان يجبر الانسان على حلق لحيته، كما من المؤلم ان يجبر على اطالتها. وهذه القصة حصلت معي حين كنت منخرطا في الدراسات الشرعية وأتولى كتابة بحث في اصول الفقه يعادل الماجستير في جامعاتنا، ووجدت نفسي معروضا امام "لجنة انضباط" والسبب ان لحيتي "قصيرة جدا" وهي اصغر من "قبضة اليد". يومها "عاندت" رجل الدين المسؤول وذهبت الى طبيب ألتمس تقريرا صحيا يعفيني بسبب حساسية جلدية او اي سبب آخر، لكنني حين عرضت الاوراق على لجنة الانضباط صرخوا في وجهي: لم يقل الطبيب انك ستموت لو أطلت لحيتك، وعليه فيجب ان تطيلها وتتحمل اي ضريبة صحية طالما كانت اقل من الموت! الا ان السيد جورج بوش اختصر الامر وقام بإسقاط صدام حسين وأعادني الى العراق وحررني من لجنة الانضباط وجعلني احتفل يوم 9 نيسان الشهير بحلق وجهي بماكينة "جيليت" ونسيت امر الدرجة العلمية وتورطت بالصحافة.وهذا الموقف ليس افضل من موقف قيصر روسيا المسكين الذي يروى انه سأل بلاطه يوما: لماذا تقدمت اوربا علينا؟ فقيل له ان الاوربيين بدؤوا بارتداء ملابس حديثة وأخذوا بحلق لحاهم، فتغيرت وتقدمت حياتهم وصار لديهم جامعات متقدمة ومصانع..الخ. ولأن الجامعات والمصانع امر معقد وصعب لا يظهر فجأة بأمر القيصر، فإن الرجل اخذ الجانب الاسهل وبدأ برجال بلاطه فأمرهم جميعا بحلق اللحى وارتداء الملابس الحديثة، ظنا منه ان مجرد هذا سيغير مكانة مملكته.وإطلاق اللحى في المؤسسة العسكرية ليس امرا غريبا. فقرب معبر الناقورة الذي يفصل اسرائيل عن لبنان، شاهدت خلال جولة سياحية هناك، ضباطا من السيخ في قوات حفظ السلام الدولية.. بلحى طويلة وعمامة زرقاء بدل الخوذة الزرقاء التي ترتديها قوات الامم المتحدة. والامر يعني ان الفروق الثقافية امر يجري التسامح بشأنه بالتأكيد وهو ليس منشأ نزاع لدى الامم المتحضرة.لكن الحذر يبدأ حين تتحول هذه الرموز الثقافية المحترمة بالتأكيد، الى سبب للنزاع والسجال الطويلين، ويكفي انك تقرأ كل يوم في الصحف المصرية وتسمع في الفضائيات، كلاما يهدر الوقت الكثير حول هذا الامر الذي تحول الى "رمز" انقسام خطير في اكثر من مستوى اقتصادي واجتماعي وربما امني لاحقا لا سمح الله.وهكذا تخشى احيانا ان يكون الامر في العراق سببا لتقسيم رجال الشرطة والجيش في الشارع الى ملتح وحليق، وهو سبب قد تترتب عليه امور كثيرة لاحقا، ونحن امة تبحث منذ قرون عن "هدنة" مع البلايا والنوائب والمشاكل، لكننا وبدل ان نأخذ اجازة من البلوى وجدنا انفسنا وسط حرب ضروس جرى اقحام دمائنا ومستقبلنا "ولحانا" فيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram