عدنان حسينطمأننا مدير الإعلام والعلاقات في أمانة بغداد إلى أن مؤسسته مدركة لبعض أبعاد التشوّه الذي تعاني منه عاصمتنا، بعدما يئسنا من أن يكون هناك مَن يسمع النداءات والاستغاثات من أجل إنقاذ بغداد من خرابها الشامل المتفاقم.المدير، وهو الزميل حكيم عبد الزهرة، صرح أخيراً مؤكداً تشوّه مظهر بغداد "رغم كل أعمال التطوير، والسبب يعود الى انتشار الحواجز الكونكريتية"، و"واجهات المباني" المستغلة "بطرق عشوائية".
وناشد وزارات الدولة ومؤسساتها القيام "باصلاح وتأهيل وترميم البنايات والعقارات العائدة لها حفاظاً على جمالية العاصمة بغداد"، معتبراً انه "لو أن كل وزارة قامت بتأهيل وتطوير واجهات بناياتها لكان مظهر مدينة بغداد قد تغيّر بشكل كبير" (العالم). على أهمية هذا الكلام، إلا أن تشوّه عاصمتنا يتجاوز المظهر (الحواجز الكونكريتية والاستغلال العشوائي للبنايات وتغليف هذه البنايات بـ"الكوبوند" غير المتلائم مع مناخنا الحار والفاقع الألوان إلى درجة صادمة للغاية)، فهو تشوّه يضرب عميقاً في الجوهر.. في بنية المدينة الاجتماعية والثقافية. عاصمتنا لا تصلح للعيش الآدمي.. هذا ما نعرفه وما أكدته المرة تلو المرة تقارير دولية ذات صدقية عالية. فالأزبال والمياه الآسنة تغطي رقعتها بالكامل.. كل الشوارع، كل الأزقة، كل الساحات، كل الأحياء والضواحي. والانتشار الأمني المكثف ونقاط التفتيش والمراقبة تسمم الحياة العامة، وهي تسهم مع النقص الفادح في الطاقة الكهربائية في انحسار أوقات التسلية والترفيه خارج البيوت.. المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة في محنة حقيقية. .. بغداد تقدم لسكانها أغذية فاسدة أو غير صحية مكشوفة للغبار وعوادم السيارات والحشرات بكل أنواعها.وعلى الدرجة نفسها، وربما أكبر، يتمثل التشوه الجوهري لبغدادنا في الغياب التام لمرافق النشاط الثقافي والفني.. لا مسارح، ولا دور عرض سينمائي، ولا مكتبات، ولا نوادٍ اجتماعية أو رياضية. أول من أمس كان الفنان الرائد يوسف العاني في زيارتنا في "المدى". وخلال جلسة جانبية استعاد بعضنا معه بعضاً من صور المجد الثقافي والفني لعاصمتنا في السبعينات. كانت بغداد حافلة بالمسارح ودور السينما والنوادي التي يرتادها أهلها بعشرات الآلاف يومياً وينضم إليهم الآلاف من سكان المحافظات الذين تذكّر العاني انهم كانوا يأتون بالحافلات خصيصاً لحضور العروض المسرحية في مسرح بغداد والمسرح القومي وسواهما. قال يوسف العاني إن العرض المسرحي لم يكن ينتهي بإسدال الستارة وإغلاق قاعة المسرح وإنما يمتد إلى خارج القاعة، ففي طريق عودتهم كان القادمون من المحافظات مثلاً يواصلون النقاش حول أحداث المسرحيات وشخصياتها. نعم مظهر بغداد مشوّه للغاية. لكن عاصمتنا مشوهة من الداخل أيضاً، وكثيرا ما يبدو لنا أن حكامنا الحاليين يمشون في أثر أسلافهم في كراهية بغداد المدينة المتحضرة. هل يعود هذا الاتفاق بين الحكام السابقين والحاليين إلى أنهم جميعاً قادمون من الأرياف المهملة؟
شناشيل:بغداد التي لا يحبونها؟
نشر في: 28 إبريل, 2012: 08:10 م