وائل نعمة أفادنا إخواننا المصريون إثناء حقبة الثمانينات من القرن المنصرم، حينما تم غزو الأفران والمقاهي والمعامل بملايين العمال، وكان شبابنا حينها يموتون يومياً على جبهات القتال، بالحرب المنسية بيننا وبين إيران، ببعض المصطلحات التي أصبحت تدخل في جملنا العراقية شئنا أم أبينا، مرة من اختلاطنا بهم في البلاد، ومرة أخرى عبر هجوم المسلسلات والأفلام على القناة الوحيدة التي كان يتكرم بها "صدام"، علينا ويتركنا نتفرج من دون لقاءاته وخطبه التي هزت أميركا!
"على الحديدة" عبارة مختصرة ورثناها من "الكدعان" تدل على أن الشخص لا يملك مالاً، بل انه مفلس، ربما كنا في تلك الفترة أبعد أن نتحدث عن البطالة وأطفال الشوارع والعوائل التي تعيش على القمامة، وتختصر وجبات الغذاء من ثلاثة إلى واحدة، بينما كان المصريون يعانون الأمرين من سياسية التقشف وأزمة السكن وضعف الرواتب ."من الحديدة" إلى "التفليسة" أعوام عجاف مرت على العراقيين. أتذكر في فترة الحصار كانت أسواق الهرج في بغداد والمحافظات تعج بشتى البضائع المستعملة من المنازل ، ووقف النساء والشيوخ ليبيعوا أواني الطبخ والملاعق ، بل وصل الأمر الى هدم نصف الدار وبيع "الشيش" والطابوق. الموظف صار في ذيل الهرم الاجتماعي، وأصبح مادة دسمة للنكات على مستويات الفقر، والمعلم فقد احترامه من طلابه بعد أن رسموه بشكله الكلاسيكي "علاكة وبايسكل".بين"التفليسية" و"الحديقة " وهو المصطلح الأحدث والأخير الذي ظهر في فترة ما بعد 2003، بعدما صارت البلاد تتجه نحو توسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتتكدس الأموال لدى أصحاب السلطة والتجارة . قصور وسيارات تعلو البيوت ، وآخرون معدمون ينتشرون في التقاطعات يمسحون الزجاج مقابل "ربع دينار" . زادت البطالة ، وهجّر الناس من مناطقهم ، وعاشوا بين الازبال وفي المعسكرات الخربة، دون صوت ينصفهم. السياسيون والنواب والوزراء ضربوا أروع صور التناقض بين ما يدْلون به من تصريحات وخطب رنانة تظهر حرصهم على الفقير ، وتبطن صعودهم لكراسي السلطة على أكتاف سكان الحواسم ، ومساكين الرعاية الاجتماعية . يتحدثون عن ضرورة توزيع إيرادات النفط بين أفراد الشعب، بينما نتفاجأ بعد ذلك بأنهم متهمون بتبديد المال العام ، ويتاجرون بقوت الشعب ، ويزرعون أموالنا في ارض الجوار ، تاركين لنا فتات الخبز نموت بحديد السيارات المفخخة وهم شيدوا ناطحات سحاب تحصنوا داخلها.وصل التناقض أخيراً إلى الأغاني التي تشهد هي الأخرى طفرة نوعية بعد انتشار الفضائيات العراقية المتخصصة بالأغاني، التي لم تترك كلمة شعبية أو مثل دارج سواء كان مقبولا أم لا، وحولته إلى أغنية ، حتى جاء صاحبنا أخيراً بأغنية عن "النفليسة"، يشتكي فيها بأنه لا يملك مالاً ولا يستطيع الخروج مع حبيبته في سهرة ، ويعتذر لها قائلا "ما أطلع مفلس عيب". التناقض يكمن في أن المغني يتحدث عن الفقر والتصوير على ما يبدو في تركيا ويظهر في بيت فخم على البحر، ولكم أن تتصورا من يسكن على واجهة بحر؟! بينما يقول لنا من أحداث التصوير بأنه يعمل في الشارع على عزف "الكيتار" والمارة يتصدقون عليه! الكل يدور حول المشكلة ويضحك علينا بكلمات ساذجة بينما الموت البطيء يداهم أطفال مرضى السرطان دون أن تملك أسرهم سعر الدواء ، وعشرات الألوف يسكون بحضن المجاري الطافحة وسكراب الآليات العسكرية الملوثة ولا يجدون من يغني لهم!
من داخل العراق:ما أطلع مفلس عيب!
نشر في: 28 إبريل, 2012: 08:12 م