لطفية الدليمي تتفوق محاضرات اومبرتو ايكو بظرفها وعلميتها وفرادتها على كثير من الدراسات المعاصرة حول جملة من القضايا التي تخص البحث اللغوي والعلاقات بين ثقافات عالمنا وتعقيداتها، ففي محاضرات ايكو اطلالات ممتعة على عوالم معقدة، عمد الروائي والسيميولوجي إلى تبسيطها وتقديمها لطلبة الاكاديمية الايطالية في امريكا بأسلوب حكائي ممتع ،
وفي ترجمة جميلة قدمها ياسر شعبان لثلاث محاضرات من ايكو بعنوان (حكايات عن إساءة الفهم) نقرأ في المحاضرة الاولى موضوع (حلم اللغة المثالية) وفي المحاضرة الثانية (حكايات عن إساءة الفهم بين ثقافتين) وفي الثالثة (المؤلف ومفسروه) ونجد الظرف المعهود لدى اومبرتو ايكو يتجاور مع المعلومة العلمية الرصينة الموثقة بمصادرها الاسطورية والواقعية وتواريخها .يخبرنا ايكو في محاضرته عن إساءة الفهم بين الثقافات عن بعض المفاهيم المغلوطة التي تنتج عندما لا يفهم الناس أن لكل ثقافة لغتها ورؤاها المختلفة تجاه العالم، وقد يظن البعض أن المفاهيم المغلوطة قد تنتج عنها آثار جانبية مهمة، وكذلك عندما تتواجه ثقافتان تحدث صدمة لوجود اختلافات كثيرة بينهما، وعندما تصطدم ثقافتان في ظرف ما كمثل ظروف الاحتلال أو التجاور أو الاندماج البشري فهناك ثلاثة احتمالات عامة تنتج عن صدامهما: الإخضاع، السطو الثقافي، التبادل.نفهم من احتمال الإخضاع أن ثمة ثقافة تملك قوى إضافية ووسائل تيسر لها الهيمنة فيحدث (الإخضاع) وفي هذه الحالة الإخضاعية لا يستطيع أفراد الثقافة الأولى في التعرف على أفراد الثقافة الثانية باعتبارهم بشرا أسوياء يشبهونهم فيطلقون عليهم اسم (البرابرة) تعني هذه التسمية أنهم مخلوقات عاجزة عن الكلام وبذلك فهم كائنات دون إنسانية بما أن اللغة والنطق من خصائص الإنسان الطبيعي، فماذا يفعل أبناء الثقافة الأولى؟ هناك احتمالان فإما أن يعملوا على جعلهم متحضرين بمعنى تقريبهم منهم أو جعلهم نسخا مقبولة عنهم أو يدمرونهم، وهذا ما يحدث الآن في عالمنا: احتمالان لا ثالث لهما حين تتواجه ثقافتان: الإخضاع أو التدمير وقد يحصل الأمران معا ومثالنا مأساة الهنود الحمر والعراق. وقد يحدث (السطو الثقافي) عندما يحاول أفراد الثقافة الأولى التعرف على الحكمة المبهمة لدى أفراد الثقافة الثانية وعلى أسرار ثقافتهم، وما حدث أمامنا بعد احتلال العراق حيث نقلت كثير من المخطوطات واللقى الاثرية الثمينة إلى أمريكا - ظاهريا لغرض دراستها وواقعيا للسطو عليها وامتلاكها، وقد تحاول الثقافة الأولى احتلال الثقافة الثانية عسكريا وسياسيا وتحل محلها، وفي الوقت ذاته تحاول فهم ثقافتهم وفك شفراتها - يضرب ايكو مثلا على ذلك بالحضارة اليونانية التي حولت مصر الى مملكة (هيلينستية) وانسحرت بالحكمة المصرية كما قيل أنها سرقت سر الرياضيات والكيمياء والسحر والديانة، وحدث ما يماثل هذا بعد عصر النهضة وبدء الحملات الاستعمارية .أما التبادل فهو طريقة للتأثير عن طريق الاحترام المتبادل بين ثقافتين كما حدث من اتصال أوروبا مع الصين منذ رحلة ماركو بولو وأيام الأب متي ريسي، وتبادلت الثقافتان أسرارهما، وبدأت حملات التبشير تنشر بعض العلوم في الأراضي الواقعة تحت هيمنتها الروحية .غير أن هناك أنواعاً أخرى من سوء الفهم بين الثقافات كأن نحمل خلفية معرفية معينة ونذهب إلى ثقافة أخرى للبحث عن تشابهات معها وليس لاكتشافها أو يحدث اكتشاف عن طريق الخطأ مثلما حصل مع كولومبس الذي أراد الوصول إلى الهند ونتيجة خطأ حسابي وقع فيه وجد أمريكا.
قناديل: اومبرتو ايكو – عن إساءة الفهم بين الثقافات
نشر في: 28 إبريل, 2012: 08:17 م