سعاد الجزائري هذا العنوان معروف من قبل الجميع، لأن الكتاب لـ(كنعان مكية) كشف فيه حقائق مهولة عن الخوف الذي عاشه العراقي في ظل نظام لم نشهد له مثيلا، او هكذا اعتقدنا حينما صدر الكتاب في وقته. لكننا، بعد 2003، وحينما طفحت على سطح السياسة العراقية ظاهرة الصراع الدامي الطائفي، رأينا ما هو أمرّ من السابق،
ولكن بطريقة مختلفة، واستمرت الظاهرة حتى بلغت اشدها عامي 2006 و 2007 وما بعدهما.بعد التاريخ الفاصل 2003، وفي بداية التغيير ظن الناس ان الخوف سيبدأ بالانحسار، وسيحل محله الشعور بالامان والاستقرار، لذلك كبر الحلم في قلوب الكثير منا، فعاد من عاش غريبا لسنوات طويلة، وخطط لأن يقضي ما تبقى من حياته بين أهله وداخل حدود وطنه، دون الحاجة الى جواز اجنبي، او ان يختبئ تحت تسمية لاجئ سياسي، لأن الكثير قرر ان يلتجئ الى وطنه، باعتباره الاقرب الى روحنا وامانينا.كما قرر الكثير ان لا يخاف بعد هذا التاريخ، خاصة بعد ان رأى العالم سقوط التمثال بسهولة لم يكن أي كان يتخيلها تتم على هذا النحو، ولم نكن نتخيل ايضا، ان الصراع المخفي تحت غطاء الخوف قد ظهر من القمقم لينشر رعبا لم نشهد له مثيلا ايضا، ومن كان خائفا صار مخيفا.لماذا يلاحقنا الخوف طوال عمرنا، بل صار جزءا منا، ومن مفردات حديثنا اليومي، فحينما تريد الام ان تعبر عن حبها لابنها وحرصها عليه، تقول: (يمّه اخاف عليك). او حينما يعشق احدنا، نقول له: (خاف ده تحب)!الخوف اليوم لم يعد محصورا بالشعب كما هو شائع، لأننا نشهد خوفا جديدا، لم نألفه سابقا، هو خوف المسؤولين! وتجسد تلك الفكرة المناطق المسورة، وكثرة الارتال التي بدأت تتكاثر يوما بعد آخر، حتى احتلت الشوارع والازقة، ولم تعد طرق بغداد كافية للمسؤولين وطوابير سياراتهم التي استفزت الناس كثيرا، لانها وبكل بساطة عطلت حياتهم، وصاروا يتعثرون بها اثناء ذهابهم للعمل صباحا، او عند عودتهم ظهرا.البداية كانت للرؤساء ونوابهم و الوزراء، لانهم يحتاجون الى حراسة وحمايات، لكن العدد بدأ يزداد يوما بعد اخر، حتى بدأوا يتسابقون في عدد حماياتهم، ويقال ان احدهم تجاوز الالف! وصار المدير العام ونائبه وربما الاقل منه بحاجة الى حماية ايضا.كثيرا ما اسمع تعليقا عن الحمايات قبل 2003، والكل اجمع على ان الوزير كان يسير بسيارته لوحده، وربما تتبعه سيارة واحدة فقط، واليوم يسير وكيل الوزير وسط رتل من السيارات قد يتجاوز عددها الـ 12 عند المتواضعين واضعاف هذه العدد عند (اللي شايفين روحهم)!وحينما تذكرت كتاب (جمهورية الخوف)، اكتشفت ان المسؤولين قبل 2003 كانوا يخيفون ويرهبون الشعب، لذلك فإنهم لا يحتاجون الى حماية او حراس، لأن الشعب خائف منهم اصلا.اما اليوم، فقد انعكست الصورة لأن المسؤول هو الخائف من الشعب، ويعيش تحت ظل ارهابه، لذا فمن حقه ان يحمي نفسه، من هذا البعبع!، المسؤول خائف من الشعب اذن، وبين (الخائف والمخيف)، وهذا عنوان رواية تتحدث عن الخوف ايضا، مساحة تتسع يوميا، ومع توسعها يزداد عدد الارتال في شوارعنا التي رغم ازالة الكثير من حواجزها الكونكريتية، لم تعد تكفي لسيارات الشعب، لذلك علينا ان نستأجر طائرات للمسؤولين كي ينجوا بأنفسهم ولكي يفسحوا المجال لسيارات الشعب ان تسرح وتمرح في شوارع غير مبلطة وغارقة بمياه مجاريها.
بين قوسين: جمهورية الخوف
نشر في: 28 إبريل, 2012: 09:02 م