سرمد الطائياكثر ما يخيفني هو ان تصدق الاشارات التي تفيد بأن رئيس الحكومة نوري المالكي انتقل من مرحلة الحوار التي استمرت 7 اعوام من حكمه، الى مرحلة المصادقة الرسمية على مسرح الحرب، والتماس "حلول سريعة". هل بدأ يفقد الصبر الى الابد؟
العلامات تقول ان المالكي بات يشعر بعدم الحاجة الى الحوار. كان في وسعه ان يطلق حوارا مع تركيا بشأن الوضع الاقليمي والداخلي. لكنه بدل ذلك كان يريد من اردوغان ان يتولى بنفسه الضغط على العراقية والكرد وحتى الحكيم والصدر كي يطيعوا المالكي ويقدموا له فروض الولاء، كما يبدو لي. تخيلوا معي كيف يقول المالكي لنفسه: تركيا تساعدني في اشياء كثيرة، حتى في اطعام الرؤساء العرب في قمة بغداد، فلماذا لا استخدمها في اخضاع خصومي؟ وحين فعل اردوغان العكس جرى اعلان الحرب على انقرة!وبدل ان يفتح فريق رئيس الحكومة حوارا مع الشركاء، فإنه يماطل ويرفض محاورتهم. المالكي لم يكلف نفسه حتى اللقاء بشركائه بشكل يستحق تسميته لقاء حقيقيا منذ اجتماع اربيل قبل عامين. وبدل ذلك فإنه يفتح حوارا مع ايران لكي تتولى هي الضغط وبطريقتها الخاصة على كل خصوم المالكي وربما على انقرة، وترغم الجميع على تقديم فروض الطاعة لزعيم دولة القانون وحزبه وان يوافقوا على عملية "ابتلاع الدولة" السريع.كان الحوار دربا متعبا على مر السنوات الماضية. شركاء المالكي يحاولون القول "علينا ان لا نتعب من هذا الدرب، ولانه طريق متعب ويتطلب الصبر فقد ادى الى تحقيق قدر كبير من استقرار العلاقات الداخلية"، ومنحنا "امنا هشا" وهدوءا نسبيا. لكن المالكي لم يعد مقتنعا بهذا "الطريق البطيء" وهو يحاول ان يسلك دربا جديدة هي تحويل عواصم مثل انقرة وطهران الى اطراف تضغط بقوة اكبر على شركاء الداخل كي يقدموا الولاء للمالكي ويضمنوا (بلا حوارات ولا مشاورات ولا مساهمة في صناعة القرارات الخطيرة) استمراره في السلطة، رضوخا لضغوط تمارسها عليهم مراكز القوى الاقليمية.اردوغان فعل العكس حين تعاطف مع معارضي المالكي من كل الطوائف، والمرشد علي خامنئي وافق مقابل اشياء كثيرة، وستأتيكم الاشارات تباعا حين يبدأ الضغط! وهكذا يعتقد المالكي اليوم انه وجد الطريق الاسهل والاكثر اختصارا للهيمنة على الدولة، اي ابرام صفقات كبيرة مع الخارج لارغام الداخل على طاعته.الطريق هذا خطير جدا. والطرق السهلة والقصيرة تخيفني لان السلطان حين يبدأ بالولع بها فإنه يبدأ بمجازفات كبيرة توفر له متعة مؤقتة لكنها تأتي بعواقب مدمرة على المدى البعيد. صدام حسين مثلا كان يحب الطرق السهلة (ولا احب ان اقوم بمقارنة لكن هذا المثل مفيد). فبدل ان يدير حوارا صبورا مع الخليج، اندفع نحو العمق السعودي على مشارف الدمام وابتلع الكويت، وكان حلا سهلا جدا الى درجة انه قام بتسهيل انهيارنا.صدام أحب الطرق السريعة قبل ذلك، مع ايران. بل ان ايران فعلت ذلك معنا، والنتيجة ان البلدين وضعا في موقع الدمار، حتى استعادت طهران صوابها الفارسي الذي يفضل الطرق الصبورة والطويلة، على نحو حياكة السجاد الكاشاني.. وهي بذلك تكسب وقتا مع كل خصومها منذ 20 عاما.الاتقان والحلول المصممة بعناية، تأتي بعد صبر طويل وادارة حكيمة وعملية اختيار حذر جدا للكلمات في وصف المشاكل. اما السرعة فهي في كثير من الاحيان تعرض القافلة الى الضياع وتجعل اهلها لا ينتبهون الى دلالات الطريق ومعاني النجوم.حين كنا صبورين وبطيئين، وجدنا وقتا لتقديم تطمينات لبعضنا. كنا اقدر على الاجتماع وجها لوجه والحديث وتقديم التنازلات وابرام التسويات. كانت علاقاتنا الداخلية افضل من الصورة التي اصبحنا عليها بعد دقيقتين من انسحاب الجيش الامريكي.لقد كان لدينا وقت للصبر ايام العنف الطائفي. وايام الفقر والميزانيات القليلة. وأيام الاحتلال وعدم اعتراف احد بمشروعية نظامنا الجديد. والمفروض ان يكون الصبر والحكمة اسهل علينا اليوم ونحن نعيش انفتاحا اقتصاديا كبيرا، وعودة واعدة الى المجتمع الدولي، وسعادة بانجازات عمالقة البترول في حقول البصرة.. وكل الاشارات المتفائلة الاخرى. نحن اليوم اقدر على الصبر، واعتقد ان معظم زعماء الكتل شيعة وسنة وكردا، يدركون هذا. لكن المالكي يتحسس شعورا معاكسا ويفرح لرؤية نفسه اقرب الى الحلول المتعجلة. دون ان ينتبه الى ان من الخطير قيادة مركب قلق مثل العراق فاقد لتوازنه المطلوب، على الطرق السريعة.
عالم آخر: المالكي المولع بالطرق السريعة
نشر في: 28 إبريل, 2012: 09:20 م