عدنان حسينمن خلال ما تنقله الفضائيات من جلساته، يبدو مجلس النواب في صورة أقرب إلى المقهى منه إلى البرلمان. وفي المقهى يكثر عادة شرب الشاي والقهوة وتشتد الثرثرة ويقلّ العمل أو ينعدم تماماً، ولهذا كانت بعض النساء تعيّر زوجها المقصّر في واجباته البيتية والزوجية أو ابنها المنصرف عن مدرسته ودروسه بأنه "أبو القهاوي".
لكن المقهى العراقي لم يكن تاريخياً مكاناً للثرثرة الفارغة، فرواد المقاهي كان الكثير منهم ينصرف إلى قراءة الصحف والمجلات والكتب، ويتجادل في السياسة والشريعة والاقتصاد والمجتمع. وبعض المقاهي كان منطلقاً لتظاهرات شعبية ضد الحكومات وسياساتها. وفي بعض المقاهي ولدت حركات سياسية ومنظمات اجتماعية وتجمعات ثقافية كان لبعضها أدوار مؤثرة في تاريخ العراق الحديث.ولأنه سعى إلى تأطير المجتمع بفكره وعقيدته وسلوكه، حارب نظام صدام حسين المقاهي ساعياً إلى إغلاقها كيما لا تتحول إلى مجال حيوي للنقاش بشأن سياساته وحروبه.النائب محمود عثمان (الائتلاف الكردستاني) صرح الجمعة بان الاستجوابات التي يقوم بها البرلمان للمسؤولين المتهمين في تهم فساد هي "للتسلية فقط"، مشيراً إلى أن "هناك الكثير من الوزراء (...) تم استجوابهم ولم تسحب الثقة عنهم" (شفق نيوز). وبهذا يكون النائب ذو التجربة السياسية الطويلة والعضو في البرلمان مذ كان "جمعية وطنية" قد أصاب كبد الحقيقة بوصفة ما يجري في مؤسسته، فاستجوابات هذه المؤسسة يغلب عليها الطابع السياسي والشخصي. نائب يريد الانتقام من وزير أو مسؤول كبير لسبب يتعلق بعدم تمشية معاملة لواحد من أقاربه أو شركائه في العمل (صفقة فاسدة) يتقدم باستجواب لـ"بهذلة" الوزير أو لإبداله وإحلال وزير آخر يقبل بتمرير الصفقة الفاسدة.وحتى لو توفرت لدى أعضاء المجلس القرائن والبينات الكافية لإدانة وزير أو مسؤول بالتقصير أو الفساد فأن النواب يعجزون عن القيام بواجبهم لعزل الوزير. والدليل إن هناك العشرات من الوزراء الذين وُجهت إليهم تهم الفساد ونشرت الوثائق الدالة على ذلك لم يستجوبوا أمام البرلمان، فيما الذين استجوبوا لم يُدن أحد منهم. كما أن العديد من النواب متهم هو من جانبه بالفساد والإفساد ولم يتحرك المجلس لفرض سلطانه وتنفيذ أحكام نظامه الداخلي، فغدا المجلس بذلك مكاناً للثرثرة أو للتسلية كما يصفه النائب محمود عثمان.ما من وزير طرح أمر استجوابه إلا واستنفر واستنكر كما لو أن الاستجواب سبّة، مع انه ممارسة روتينية في النظام الديمقراطي. فالحكومة في هذا النظام يختارها البرلمان (تتشكل من حزب أو أحزاب الأغلبية)، وبالتالي فإنها مسؤولة أمام من اختارها. ومن مسؤولية البرلمان أن يراجع عمل الحكومة وأفرادها للتقييم والتقويم، ومن المفترض أن الوزير النزيه الذي يعمل بإخلاص ونزاهة ومهنية لا يخشى الاستجواب. هذا الموقف من الوزراء يكرس بدوره صورة مجلس النواب بوصفه مقهى للثرثرة أو ناديا لحفلات السمر وليس برلماناً يشرّع القوانين ويراقب عمل الحكومة وأداء أعضائها.
شناشيل: حفلة سمر في البرلمان
نشر في: 28 إبريل, 2012: 10:30 م