علي حسينفي الشكل نبدو دولة حضارية متقدمة، النساء حصلن على نسبتهن في البرلمان، وهناك امرأة تملك مكتبا وسكرتارية أطلق عليها اسم وزارة المرأة.. فيما الواقع يقول إننا لا نعترف للمرأة بحق إلا حق الحمل وترضية رغبات سيد البيت. في الجوهر نحن وطن لا يحترم المساواة، ولا يرضى رجاله إلا بحق واحد هو السيطرة على كل شيء وأي شيء.
إن إحدى أبرز مشاكل نخبنا السياسية، أنها تدعي العمل ليل نهار لإقامة الدولة المدنية، بينما تقوض في تصرفاتها العملية كل الأركان الواجب الحفاظ عليها لمثل هذه الدولة، ولدينا نموذج صارخ على هذه الازدواجية التي تعانيها هذه النخب، وتكاد تصل بها إلى حالة فصام في الشخصية، فقد تابعت، مثل غيري، الخطب الرنانة عن الدور الذي ستلعبه المرأة في العراق الجديد، واستبشرت خيرا حين وجدت في وزارة إياد علاوي 2004 ست وزيرات، وحافظن على الرقم نفسه في حكومة الجعفري، وقلت لا يهم أن يصبحن أربعا في ولاية نوري المالكي الأولى بعد أن استنكف قادة في التحالف الوطني أن يرشحوا من كتلتهم امرأة لمنصب وزاري، في ولاية المالكي الثانية كان رجال السياسة أكثر توحدا مع قناعاتهم فقرروا أن لا مكان للمرأة في عالم يقوده رجال أشاوس. لماذا؟ لأن الزعماء الكبار يريدون أن تبقى المرأة خارج حلبة الصراع الحكومي.. وفي ذلك نقطة ايجابية ووطنية لا يمكن لشعب ساذج مثلنا أن يفهمها.. فالكتل السياسية التي لا تلتقي على شيء.. اتفقت من دون اتفاق على أن لا يكون للمرأة حضورا في القرار السياسي، هذه الدقة في مراعاة أصول الحشمة مردها إلى خوف هؤلاء القادة من الغواية، التي تقود إلى الفتنة، والفتنة اشد باسا وجرما من سرقة المال العام والمحسوبية والتزوير وغياب العدالة وتأسيس دولة الطوائف.عندما اعلنت نتائج البرلمان العراقي عام 2005 شعرت باعتزاز عفوي وأنا أرى نسوة العراق يتقدمن معتمدات على موهبتهن وثقافتهن، وسحر حضورهن الطاغي وبراءتهن المدهشة الممزوجة بإصرار على مواصلة النضال من اجل عراق يتساوى فيه الجميع بعيدا عن النظرة القاصرة للجنس والطائفة والمذهب، ووقتها أعددت مقالا نشرته في احد المطبوعات العربية مبتهجا فيه بقيمة المرأة وحقوقها ودورها، وتمنيت فيه ان تحصل المرأة العراقية يوما على احد المناصب السيادية.. وان يكون ترشيحها لهذا المنصب مناسبة لقيام حركة مدنية ترفع من مقام المرأة كمخلوق إنساني لا يرمي إلى النسيان إذا غابت المساواة، ولا يسلم إلى المجهول إذا ضعف العدل.وتمنيت أن أرى على رئاسة مجلس النواب امرأة برقة صفية السهيل، أو بصلابة مها الدوري.. أو بأناقة أزهار الشيخلي. ولم أكن اعرف حينها أن السلطة والمنصب يحتاجان إلى قدرات عضلية وصوت عال. فالمنصب كان ولا يزال في عرف جميع الأمم المتحضرة هو نموذجا للخبرة والتواضع والحكمة، بينما ساستنا اعتبروا المناصب حكرا طبقيا وسياسيا وبايلوجيا فدخل إليه كل هاو وسقيم، فكان أن فتح الباب إلى هذا النوع من النموذج الديمقراطي الذي يستخف بكل صاحب كفاءة ومهنية.بالأمس سمعت أن إحدى السيدات الفاضلات ممن لهن مواقف مشهودة في مجال الحريات تطمح لأن تصبح على رأس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، إلا أن الكارتل الرجالي داخل المفوضية الذي يتمتع بالنصاب العالي يقف ضد هكذا طموح ويرى فيه تجاوزا على حقوقه. مشكلة الذين خاضوا حول السياسة هذه الأيام أنهم بلا ذاكرة وبحاجة الى من يقرب لهم وقائع التاريخ، ومشكلتهم أنهم يخرجون غالبا بنتائج واحدة، وهي أن الحاضر أفضل بالنسبة للمرأة، وأكثر وعدا، وأقل يأسا، وأكثر تقدما. ولا أعرف كيف ينظرون إلى مثل هذه الظاهرة، خصوصا أنهم لم يعرفوا التاريخ الذي يتحدثون عنه، صحيح أن المرأة لم تصل إلى البرلمان بهذه الكثافة ، لكن نزيهة الدليمي كانت أهم وزيرة في خمسينيات القرن الماضي ، وكانت بولينا حسون ومريم نرمة على رأس أهم المطبوعات العراقية، وكانت زينب تقف كل مساء على مسارح بغداد لتعطي دروسا في حب الوطن. لا اعرف أوجه للمقارنة ولكنني أرى أن العراق الذي يتباهى قادته بأنه قاد عرس الديمقراطية في المنطقة، يحرم نصفه الجميل من ان يتولى رئاسة منظمة انسانية متناسين ان لا عرس حقيقياً من دون "نون" النسوة.
العمود الثامن: "نون" النسوة و "نون" المنصب
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:13 م